فالإنسان اللبق الحاذق لا يضيع هذه الجواهر النفيسة، والأعلاق العظيمة، التي هي ساعات عمره ودقائقه وثوانيه، بل يحرك رأس هذا المال، ويتجر به مع خير من يُتجر معه، وهو خالق السماوات والأرض، إن جئت بحسنة جاءك بعشر حسنات إلى سبعمائة إلى ما لا يعلمه إلا الله، إن جاءه عبده يمشي أتاه ربه هرولة، وإن تقرب إليه باعاً تَقَرَّبَ (جَلَّ وَعَلا) إليه ذراعاً، سبحانه ما أعظمه وما أكرمه! فالإنسان العاقل يَتَّجِرُ بِرَأْسِ هذا المال مع رَبِّ العالمين، فلا تضيع عليه هذه النفائس والأعلاق الثمينة، فيصرف أوقاته فيما يُرْضِي اللهَ، وإذا كان معه تَعَبٌ فليكف عما لا يُرْضِي رَبَّهُ، فيكون عمله إما أن يكون خيراً يستجلبه، وإما أن يكون سلامة من الشرور، فيكون على خير، فيربح من هذه التجارة: الحور، والولدان، وغُرف الجنان، ومجاورة رب غير غضبان، والنظر إلى وجه الله الكريم، ومُلك لا ينفد {وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيراً (20)} [الإنسان: آية 20].

وإذا كان صاحب رأس هذا المال مغفلاً أحْمَقَ، قليل الفهم عن الله، ليس عارفاً بحقائق الأمور، لا يدري الفرق بين التقدم والتأخر، ولا بين التَّنَوُّر وغير التَّنَوُّر، فإنك تراه يتلاعب بهذه الجواهر النفيسة التي أعطاه الله، وهي أيَّام عمره، ولا يُقدرها، ويُمضيها في قيل وقال، وربما أمْضَى أكْثَرَهَا في مساخط الله، وما يستوجب غضب الله، من الوقوع في محارمه، والتمرد على نظامه، واتباع كل ناعق من شياطين الإنس والجن الذين يدعون إلى النار، وإلى سخط الله (جل وعلا)، حتى ينقضي الوقت المحدد من أيام عمره، فيؤخذ روحه من بدنه فيموت فيضيع عليه رأس المال، فيُجر إلى القبر وهو

طور بواسطة نورين ميديا © 2015