سؤال استعلام واستكشاف، وإنما نسألهم سؤال توبيخ وتقريع، أما في الكفار فبالمباشرة، وفي المرسلين فليبرءوا أنفسهم بأنهم بَلَّغوا، فيتوجه التقريع العظيم على الكفار الذين كذبوهم {فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِم بِعِلْمٍ} فوالله لنقصن عليهم بعلم.
ومعنى: {فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِم بِعِلْمٍ} نذكر لهم أعمالهم فذلك قصة، قصة، قصة، فيقول الله للعبد: يا فلان بن فلان ألم تعلم أنك فعلت في اليوم الفلاني، في الوقت الفلاني، في الساعة الفلانية، من الشهر الفلاني، في البقعة الفلانية، عملت كذا وكذا، وكذا وكذا؟ ثم يسرد عليه أعماله قصة قصة، وقعة بعد وقعة، حتى يأتي على جميع ما فعل، وكذلك تشهد عليهم بقاع الأرض؛ لأن الإنسان إذا عصى الله في بقعة من بقاع الأرض يومئذ ينطقها الله، وتشهد عليه البقعة، وتقول: أشهد على فلان بن فلان أنه في ساعة كذا في يوم كذا في شهر كذا فعل عليَّ كذا وكذا.
كما يأتي إيضاح هذا في سورة الزلزلة في قوله: {إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا (1)} إلى قوله: {يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا (4) بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا (5)} [الزلزلة: الآيات 1 - 5] تُحدث الأرض أخبارها فتخبر بما فعل الناس عليها، كما أنهم في ذلك الوقت تشهد عليهم أيديهم وألسنتهم وجلودهم، كما قال تعالى: {الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (65)} [يس: آية 65] ولما لاموا جلودهم في الشهادة عليهم {وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنطَقَنَا اللهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ} [فصلت: آية 21] والله (جل وعلا) يخبر أنهم في دار الدنيا ما كانوا يتسترون على أعضائهم خوف أن تشهد عليهم، لا يظنون أنها تشهد عليهم {وَمَا كُنتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلاَ أَبْصَارُكُمْ وَلاَ جُلُودُكُمْ