وَلَكِن ظَنَنتُمْ أَنَّ الله لاَ يَعْلَمُ كَثِيراً مِّمَّا تَعْمَلُونَ (22) وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنتُم بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ} [فصلت: الآيتان 22، 23] يعني: {فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِم} [الأعراف: آية 7] على الأنبياء والأمم ما فَعَلَهُ كلّ إِنْسان على رؤوس الأشهاد، فَعَلْتَ كذا وكذا، مع أنه يجد كل ما فعل من حين يخط عليه القلم إلى أن يموت مكتوباً في كتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها؛ وإذا وضع الكتاب خاف أهل الذنوب خوفاً هائلاً شديداً؛ ولذا قال تعالى: {وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ} مشفقين: أي خائفين خوفاً عظيماً يتخلَّلُه الإشفاق على أنفسهم من الهلاك {وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لاَ يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً وَلاَ يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً} [الكهف: آية 49] وفي ذلك الوقت يُعطى كل إنسان كتابه على رؤوس الأشهاد، ويؤمر بأن يقرأه هو بنفسه، كما قال جل وعلا: {وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَآئِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ
يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنشُوراً (13) اقْرَأْ كَتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً (14)} [الإسراء: الآيتان 13، 14] فإذا عرف (?) الإنسان أن جميع ما يقول في دار الدنيا سيُلقى على رؤوس الأشهاد ويُقص عليه أمام الخلائق في الآخرة: فعلتَ كذا وكذا، في يوم كذا، في تاريخ كذا، وأنه يُلَقَّاه في كتاب منشور على رؤوس الأشهاد، إذا كان المسلم يعرف هذا وعنده مسكة من عقل يجب عليه في دار الدنيا -وقت إمكان الفرصة - أن لا يخزي نفسه ويخجلها على رؤوس الأشهاد خزياً وخجلاً يجره إلى النار، فيُحاسِبُ، وينظر إلى الملكين المصاحبين له، وأن لا يقول ولا يفعل إلا شيئاً إذا رآه مسجلاً عليه يوم القيامة، أو قيل له: أنت فعلت، كان يُبَيِّضُ وجهه، ولا يُسَوِّده، ولا يخزيه، ولا يفضحه. وعلى كل