يُسال عن ذنبه سؤال توبيخ وتقريع، ويُقال له: لِمَ فعلت هذا؟! ألم أنهك يا خبيث عن هذا؟! وإذا وَجَدْتَ أسئلة الكفار في القرآن وجدتَها كلها أسئلة توبيخ وتقريع، كما قال لهم: {أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ} [الزمر: آية 71] {مَا لَكُمْ لاَ تَنَاصَرُونَ} [الصافات: آية 25] {أَفَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنتُمْ لاَ تُبْصِرُونَ} [الطور: آية 15] كل الأسئلة أسئلة توبيخ وتقريع، وأما سؤال المرسلين فليس سؤال توبيخ ولا تقريع، والمراد به أن المرسلين إذا سُئلوا وقالوا: (بلَّغنا ونصحنا) رجع اللوم والتقريع على الأمم. ومن ذلك القبيل: سؤال الموءودة، وهي البنت التي كانوا يدفنونها حية، كما في قوله: {وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ (8) بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ} [التكوير: الآيتان 8، 9] لأن سؤال الموءودة ليس توبيخاً ولا تقريعاً للموءودة؛ لأنها لا ذنب لها، وإنما تقول: قُتِلْتُ ودُفنت حية في غير ذنب؛ ليتوجه العتاب الشديد واللوم العظيم على من فعل ذلك بها، فسؤال المرسلين وسؤال الموءودة إنما يُراد به: شدة توبيخ الكفار الذين كذبوا المرسلين، ووأدوا الموءودة. هذا معنى الآيات، وهذا معنى قوله: {فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ (6)} [الأعراف: الآية 6] والدليل على أن سؤال الله للكفار سؤال توبيخ وتقريع، وأن سؤاله للمرسلين ليجيبوا بأنهم بلَّغوا فيتوجه التوبيخ والتقريع على الكفار زيادة على زيادة.
الدليل على هذا -أنه لا يسألهم سؤال استعلام واستخبار واستكشاف- أنه أتبعه بقوله: {فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِم بِعِلْمٍ وَمَا كُنَّا غَآئِبِينَ (7)} [الأعراف: آية 7] يعني: لا نسألهم لنستفيد منهم شيئاً لم نعلمه، بل نحن نقص عليهم جميع ما عملوا بعلم حقيقي أزلي محيط بكل شيء، وما كنا في دار الدنيا غائبين عن شيء فعلوه، فلا نسألهم