مُّعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَّشِيدٍ (45)} [الحج: آية 45] والمعنى: أن آبارها تعطلت لم يبق من يستقي عليها لهلاك أهلها وفنائهم عن آخرهم. وكقوله: {وَكَمْ قَصَمْنَا مِن قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْماً آخَرِينَ (11) فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُم مِّنْهَا يَرْكُضُونَ (12) لاَ تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ (13) قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ (14) فَمَا زَالَت تِّلْكَ دَعْوَاهُمْ حَتَّى جَعَلْنَاهُمْ حَصِيداً خَامِدِينَ (15)} [الأنبياء: الآيات 11 - 15] والآيات بمثل هذا كثيرة. ومن هذه القرى التي أهلكها الله قرى قوم لوط (سدوم) وغيرها، رفعها إلى السماء وقلبها فجعل عاليها سافلها، وأرسل عليها حجارة السجيل؛ ولأجل أنه قلبها وجعل عاليها سافلها سُميت القرى: (المؤتفكات) وسُميت عاصمتها: (المؤتفكة) لأن جبريل أَفَكَها، أي: قلبها فجعل عاليها سافلها. والإفك: قلب الشيء، ومنه قيل لأسوأ الكذب (إفك) لأنه قلب للحقائق عن ظواهرها. ومن تلك القرى: قوم مدين (أصحاب شعيب) الذين أهلكتهم الظُّلة، وقوم صالح الذين واعدهم ثلاثة أيام وعداً غير مكذوب، فأخذتهم الصيحة فأصبحوا في ديارهم جاثمين، ومنهم قوم هود أرسل الله عليهم الريح العقيم فَدَمَّرهُم، ومنهم قوم نوح أرسل الله عليهم الطوفان فدَمَّرَهم، كما جاء مفصلاً في الآيات القرآنية.

وكل هؤلاء القرى التي دمَّرها الله إنما دَمَّرَهَا لأنه أنزل إليها وحياً وتشريعاً على لسان نبي كريم وقال لها: {اتَّبِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ} ولا تتبعوا غيره. فتمردوا، ولم يتبعوا ما أنزل الله، واتبعوا غيره فَدَمَّرَهُم اللهُ تدميراً مستأصلاً؛ ولذا يُحذر هذه الأمة على لسان نَبِيِّها أن لا تتَّبِعَ غير ما أنزل الله، لئلا يهلكها بهلاك مُسْتَأْصِل.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015