فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا} [الكهف: آية 79] أي: لئلا يأخذها الملك الغاصب، فدل كون الملك لا يأخذ السفينة المعيبة على حذف النعت في قوله: {وَكَانَ وَرَاءهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ} أي: صحيحة صالحة غير معيبة ولا مخروقة. وحذف النعت معروف في كلام العرب، ومن أمثلته في كلام العرب قول المُرقَّش الأكبر (?):

وَرُبَّ أَسِيلَةِ الخَدَّينِ بِكْرٍ ... مُهَفْهَفَةٍ لها فَرْعٌ وَجِيْدُ

يعني: لها فرع فاحم، وجيد طويل، فحذف النعت لدلالة المقام عليه، ومنه قول عبيد بن الأبرص الأسدي يمدح رجلاً (?):

مَنْ قَوْلُهُ قَوْلٌ وَمَنْ فِعْلُهُ ... فِعْلٌ وَمَنْ نَائِلُهُ نائِلُ

يعني: من قوله قولٌ فصلٌ، وفعله فعلٌ جميل، ونائله نائلٌ جَزْل، فحذف النعوت لدلالة المقام عليها، والمعنى: {وَكَم مِّن قَرْيَةٍ} أي: وكثير من نوع القرية الظالمة العاصية المتبعة غير ما أنزل الله أهلكناها بسخطنا عليها فدمرناها تدميراً مستأصلاً؛ لأنها لم تتبع ما أنزلنا واتبعت غير ما أنزلنا.

وهذه القرى بينها الله بكثرة إجمالاً وتفصيلاً (?)، كقوله: {وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَاباً شَدِيداً وَعَذَّبْنَاهَا عَذَاباً نُّكْراً (8) فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا وَكَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهَا خُسْراً (9)} ثم بين عذابهم الأخروي فقال: {أَعَدَّ الله لَهُمْ عَذَاباً} الآية [الطلاق: الآيات 8 - 10] وكقوله: {فَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015