ومدار الأمر على الإمكان، فمتى بطل بطل الفرض، ومتى وجد وجد الفرض.
وربما كان سبب تكاشفهم ما يعرفون من ضعف جند الباغي عليهم، والمستبد عليهم بأمرهم.
ولضعفهم أسباب: فربما كان لاختلاف يقع بينهم. وربما كان لعدو يدهمهم وينازعهم ملكهم، وربما كان للخلل يدخل عليهم. والرقة تصيبهم، من موت أعلامهم أو قتل قوادهم، وربما كان لضعف رأي مدبرهم وسياسة سائسهم، أو موت قيمهم.
فبهذا وأشباهه تتكاشف الناس، وتظهر على ألسنتهم ضمائرهم، وتبدو أسرارهم ونفوسهم من قبل ذلك حنقة عليهم، متدينة بخلعهم والاستبدال بهم، وإنما أمسكت عن الإنكار وأظهرت التسليم ريثما تجد فرصة وترى خلة، ويستجمع الأمر، وتزول التقية. مع أنا نعلم أن العامة أسخف أحلاما وأخف حركة وأشد طيشا، أن تؤثر الكف والعزلة والتسليم والمجانبة، عند حرب المحقين المتسلطين. ولو كانت تطيق ذلك ويجوز عليها ما كانت العامة بعامة، ولكانت العامة خاصة. ولكنا أجبنا على قدر مجرى المسألة.
وإنما البلية العظمى والداهية الكبرى، أن تنماز العامة حتى يصير بعضها مع الخاصة، وبعضها مع البغاة والظلمة.