العثمانيه (صفحة 260)

اتفق رأي الجميع في المغيب على النصرة. وليس ينتفع باتفاق أهوائهم ما لم يتشاعروا.

فإن قالوا: إن كان الأمر كما تصفون وجب ألا يقيموا إماما أبدا، لأنهم كما لا ينفكون من التقية، كذلك لا ينفكون من التخاذل.

قلنا: ليس الأمر كما تقولون، لأن تقية بعض الخاصة لبعض قد تزول بأسباب كثيرة: منها أن تسوء سيرة المتسلط الباغي فيهم ويفحش جوره، ويكثر تعضيله واستئثاره وقهره، حتى يكون ذلك إحراجا لهم وسببا للكلام والشكاية والتلاقي، لأنهم قد عموا بالإحراج معا ليكون كل واحد من المحرجين يتكل على رأي صاحبه. لعلمه بالذي لقي من المكروه الذي هو فيه، من ثوران النفس وتهييج الطبيعة، فلا يزال بهم ذلك حتى يتفقوا في الظاهر كاتفاقهم في الباطن، إذ كان الإحراج قد شملهم وعمهم، وبلغ أقصاهم بعد أدناهم. وعند التلاقي تزداد النفوس حمية وغضبا وبصيرة. فإذا تباثوا وتكاشفوا وشاع ذلك من شأنهم، وشهر من أمرهم، علموا أن ذلك قد ظهر لعدوهم، والمتسلط عليهم. فإذا علموا ذلك علموا أنهم قد لحجوا في الحرب، ونشبوا في المناصبة. فإذا علموا ذلك لم يجدوا بدا من بذل المال، وإعطاء الجهد. وإنما هي أسباب ترامى، وعلل تداعى، وأمور تهيج أمورا، وأسباب توجب أفعالا، فعند ذلك تمكن الشدة، ويجب الفرض.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015