وَيَأْتِي عَلَيْهِم مِنْهُ وَقت آخر لَا يَتَكَلَّمُونَ وَلَا يُؤذن لَهُم فيعتذرون وَفِيه تكون المحاسبة والمناقشة وَفِيه يتَعَلَّق النَّاس بَعضهم بِبَعْض وَيطْلب بَعضهم بَعْضًا ويخاصم بَعضهم بَعْضًا فَمن النَّاس من يُخَفف عَلَيْهِ الْيَوْم حَتَّى لَا يجد فِيهِ مشقة طول وَلَا يرد لَهُ فِيهِ رَغْبَة وَلَا سؤل
وَذكر ابْن وهب من حَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ رَضِي الله عَنهُ أَنه قَالَ للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي يَوْم كَانَ مِقْدَاره خمسين ألف سنة مَا أطول هَذَا الْيَوْم فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ إِنَّه ليخفف على الْمُؤمن حَتَّى يكون أخف عَلَيْهِ من صَلَاة مَكْتُوبَة كَانَ يُصليهَا فِي الدُّنْيَا فَمن النَّاس من يطول مقَامه وحبسه إِلَى آخر الْيَوْم وَمِنْهُم من يكون انْفِصَاله فِي ذَلِك الْيَوْم فِي مِقْدَار يَوْم من أَيَّام الدُّنْيَا وَفِي سَاعَة من ساعاته أَو فِيمَا شَاءَ الله من ذَلِك أَو يكون رائحا فِي ظلّ كَسبه وعرش ربه وَمِنْهُم من يُؤمر بِهِ إِلَى الْجنَّة بِغَيْر حِسَاب وَلَا عَذَاب كَمَا أَن مِنْهُم من يُؤمر بِهِ إِلَى النَّار فِي أول الْأَمر من غير وقُوف وَلَا انْتِظَار أَو بعد يسير من ذَلِك النَّهَار وَبِالْجُمْلَةِ فَلَيْسَ يتم ذَلِك الْيَوْم إِلَّا وَقد نزل كل إِنْسَان بداره وَاسْتقر فِي قراره من جنته أَو ناره
فتفكر أَيهَا الْإِنْسَان فِي طول ذَلِك الْيَوْم وَفِي طول ذَلِك الْقيام فِيهِ مَعَ ذَلِك الْحَال الأخطر والفزع الْأَكْبَر والهول الَّذِي لَا يكيف وَلَا يقدر فاختر لنَفسك كم تُرِيدُ أَن تقف فِيهِ وَكَيف تُرِيدُ أَن تكون فِيهِ مَا دَامَ النّظر إِلَيْك وَالِاخْتِيَار بيديك مَعَ توفيق رَبك عز وَجل لَك ومعونته إياك
وَأنْشد بَعضهم
يَا آمن الساحة لَا يذعر ... بَين يَديك الْفَزع الْأَكْبَر
وَإِنَّمَا أَنْت كمصبورة ... حم رداها وَهِي لَا تشعر
والمرء مَنْصُوب لَهُ حتفه ... لَو أَنه من عَمه يبصر
وَهَذِه النَّفس لَهَا حَاجَة ... والعمر عَن تَحْصِيلهَا يقصر