ولا تتبع الناس في خطاياهم، بل اتبع في صوابهم.
وإذا عرفت إنساناً بالشر فلا تذكره به، بل اطلب منه خيراً فأذكره به، إلا في باب الدين، فإنك إن عرفت في دينه ذلك فأذكره للناس؛ كيلا يتبعوه ويحذروه، قال عليه الصلاة والسلام: " اذكروا الفاجر بما فيه، حتى يحذره الناس "، وإن كان ذا جاه ومنزلة، فاذكر ذلك، ولا تبال من جاهه؛ فإن الله تعالى معينك وناصرك وناصر الدين، فإذا فعلت ذلك مرة هابوك، ولم يتجاسر أحد على إظهار البدعة في الدين.
وإذا رأيت من سلطانك ما لا يوافق العلم، فاذكر ذلك مع طاعتك إياه؛ فإن يده أقوى من يدك، تقول له: أنا مطيع لك في الذي أنت فيه سلطان، ومُسلط علي، غير أني أذكر لك من سيرتك مالا يوافق العلم. فإذا فعلت ذلك مع السلطان مرة كفاك؛ لأنك إذا واظبت عليه، ودمت، لعلهم يمقتونك، فيكون قمعاً للدين، فإذا فعل ذلك مرة أخرى، فادخل عليه وحدك في داره، وانصحه في الدين، وناظره إن كان مبتدعاً، وإن كان سلطاناً، فاذكر له ما يحضرك من كتاب الله تعالى وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام، فإن قبل منك، وإلا فاسأل الله تعالى أن يحفظك منه، واذكر الموت، واستغفر للأستاذ، ومن أخذت عنهم العلم، وداوم على التلاوة، وأكثر من زيارة القبور والمشايخ والمواضع المباركة.
واقبل من العامة ما يقصون عليك من رؤياهم للنبي صلى الله عليه وسلم، ورؤيا الصالحين في المنازل، والمساجد، والمقابر.
ولا تجالس أحداً من أهل الأهواء إلا على سبيل الدعوة إلى الدين. ولا تكثر اللعب، والشتم.
وإذا أذن المؤذن فتأهب لخول المسجد؛ كيلا تتقدم عليك العامة.
ولا تتخذ دارك في جوار السلطان.
وما رأيت على جارك فاستره عليه؛ فإنه أمانة. ولا تظهر أسرار الناس.
ومن استشارك في شيء فأشر عليه بما يقربك إلى الله تعالى.
وإياك والبخل؛ فإنه تنتقص به المروءة.
ولا تك طماعاً، ولا كاذبا، ولا صاحب تخاليط، بل احفظ مروءتك في الأمور كلها.
والبس من الثياب البيض في الأحوال كلها.
وأظهر غنى القلب، مُظهراً في نفسك قلة الحرص، والرغبة في الدنيا. وأظهر من نفسك الغنى، ولا تظهر الفقر، وإن كنت فقيراً.
وكت ذا همة، فإن من ضعفت همته ضعفت منزلته.
وإذا مشيت في الطريق فلا تلتفت يميناً ولا شمالاً، بل داوم النظر إلى الأرض.
وإذا دخلت الحمام، فلا تساو الناس في أجرة الحمام، بل ارجح على ما تعطي العامة؛ لتظهر مروءتك بينهم، فيعظمونك.
ولا تسلم الأمتعة إلى الحائك وسائر الصناع، بل اتخذ لنفسك ثقة تفعل ذلك.
ولا تماكس بالحبات والدوانيق، ولا تزن بالدراهم، بل اعتمد على غيرك.
وحقر الدنيا المحقرة عند أهل العلم؛ فذلك أحفظ لحاجتك.
وإياك أن تكلم المجانين، ومن لا يعرف المناظرة والحجة من أهل العلم، والذين يطلبون الجاة ويستغرقون بذكر المسائل فيما بين الناس؛ فإنهم يطلبون تخجيلك، ولا يبالون منك وإن عرفوك على الحق.
زولإذا دخلت على قوم كبار فلا ترتفع عليهم بعالم يرفعوك لئلا يلحق بك منهم أذية.
وإذا كنت في قوم فلا تتقدم عليهم في الصلاة، ما لم يقدموك على وجه التعظيم.
ولا تدخل الحمام وقت الظهيرة أو الغداة.
ولا تحضر مظالم السلاطين، إلا إذا عرفت أنك إذا قلت شيئاً ينزلون على قولك بالحق، فإنهم إن فعلوا مالا يحل وأنت عندهم ربما لا تملك منعتهم، ويظن الذين هناك أن ذلك حق؛ لسكوتك فيما بينهم وقت الإقدام عليه.
وإياك والغضب في مجلس العلم.
ولا تقص على العامة؛ فإن القاص لا بد له أن يكذب.
وإذا أردت اتخاذ مجلس لأحدٍ من أهل العلم، فاحضر بنفسك، واذكر فيه ما تعلمه؛ كيلا يغتر الناس بحضورك، فيظنون أنه على صفة من العلم، وليس هو على تلك الصفة، فإن كان يصلح للفتوى فاذكر منه ذلك، وإلا فلا، ولا ليدرس بين يديك، بل اترك أحداً من أصحابك؛ ليخبرك بكيفية كلامه، وكمية علمه.
وفوض أمر المناكح إلى خطيب ناحيتك، وكذا صلاة الجنائز العيدين.
ولا تنسى من صالح دعائك.
واقبل هذه الموعظة مني. وإنما أوصيك لمصلحتك، ومصلحة المسلمين. انتهى.