ولا تكثر الكلام في بيتك مع امرأتك في الفراش، إلا وقت حاجتك إليها بقدر ذلك، ولا تكثر لمسها، ولا تقربها إلا بذكر الله تعالى، ولا تتكلم بأمر نساء الغير بين يديها ولا بأمر الجواري، فإنها تنبسط إليك في كلامك، ولعلك إذا تكلمت عن غيرها تكلمت عن الرجال الأجانب.
ولا تتزوج امرأة كان لها بعل، أو أب أو أم، أو بنت، إن قدرت، إلا بشرط أن لا يدخل عليها أحد من أقاربها، فأن المرأة إذا كانت ذات مال يدعي أبوها أن جميع مالها له، وأنه عارية في يدها.
ولا تدخل بيت أبيها ما قدرت. وإياك أن ترضى أن تزف في بيت أبويها، فإنهم يأخذون أموالك، ويطمعون فيها غاية الطمع.
وإياك أن تتزوج بذات البنين والبنات، فإنها تدخر جميع المال لهم، وتسرق من مالك، وتنفق عليهم؛ فإن الولد أعز عليها منك.
ولا تجمع بين امرأتين في دار واحدة. ولا تتزوج إلا بعد أن تعلم أنك تقدر على القيام بجميع حوائجها.
واطلب العلم أولاً، ثم اجمع المال من الحلال، ثم تزوج، فإنك إن طلبت المال في وقت التعلم عجزت عن طلب العلم، ودعاك المال إلى طلب الجواري والغلمان، وتشتغل بالدنيا والنساء قبل تحصيل العلم، فيضيع وقتك، ويجتمع عليك الولد وتكثر عيالك، فتحتاج إلى القيام بمصالحهم وترك العلم.
واشتغل بالعلم في عنفوان شبابك، ووقت فراغ قلبك وخاطرك، ثم اشتغل بالمال ليجتمع عندك؛ فإن كثرة الولد والعيال يشوش البال، فإذا جمعت المال فتزوج.
وعليك بتقوى الله، وأداء الأمانة، والنصيحة لجميع الخاصة والعامة.
ولا تستخف بالناس، ووقر نفسك ووقرهم، ولا تكثر معاشرتهم إلا بعد أن يعاشروك، وقابل معاشرتهم بذكر المسائل، فإنه إن كان من أهله اشتغل بالعلم، وإن لم يكن من أهله أحيك.
وإياك أن تكلم العامة بأمر الدين في الكلام، فإنهم قوم يقلدونك، فيشتغلون بذلك.
ومن جاءك يستفتيك في المسائل، فلا تجب إلا عن سؤاله، ولا تضم إليه غيره؛ فإنه يشوش عليه جواب سؤاله.
وإن بقيت عشر سنين بغير كتب ولا قوة فلا تعرض عن اعلم، فإنك إن أعرضت عنه كانت معيشتك ضنكا.
وأقبل على مُتفقهيك كأنك اتخذت كل واحد منهم ابناً وولدا، يزيدهم رغبة في العلم.
ومن ناقشك من العامة والسوقة، فلا تُناقشه؛ فإنه يذهب ماء وجهك.
ولا تحتشم من أحدٍ عند ذكر الحق، وإن كان سُلطاناً.
ولا ترض لنفسك من العبادات إلا بأكثر مما يفعله غيرك، وتعاطاها؛ فإن العامة إذا لم يروا منك الإقبال عليها بأكثر مما يفعلون، اعتقدوا فيك قلة الرغبة، واعتقدوا أن علمك لا ينفعك إلا ما نفعهم الجهل الذي هم فيه.
وإذا دخلت بلدة فيها أهل العلم، فلا تتخذ لنفسك، بل كن كواحد من أهله؛ ليعلموا أنك لا تقصد جاههم، وإلا يخرجون عليك بأجمعهم، ويطعنون في مذهبك، وتصير مطعوناً عندهم بلا فائدة.
وإن استفتوك في المسائل، فلا تناقشهم في المناظرة والمطارحات، ولا تذكر لهم شيئاً إلا عن دليل واضح، ولا تطعن في أساتذتهم، فإنهم يطعنون فيك.
وكن من الناس على حذر. وكن لله تعالى في سرك كما أنت في علانيتك، ولا يصلح أمر العلم إلا بعد أن يجعل سره كعلانيته.
وإذا ولاك السلطان عملاً، فلا تقبل ذلك منه، إلا بعد أن تعلم أنه إنما يوليك ذلك لعلمك.
وإياك أن تتكلم في مجلس النظر على خوف؛ فإن ذلك يورث الخلل في الألفاظ، والكلل في اللسان.
وإياك أن نكثر الضحك، فإنه يميت القلب.
ولا تمش إلا على طمأنينة. ولا تكن عجولاً في الأمور.
ومن دعاك من خلفك فلا تجبه، فإن البهائم تُنادى من خلف.
وإذا تكلمت فلا تكثر صياحك، ولا ترفع صوتك واتخذ لنفسك السكون وقلة الحركة؛ كي يتحقق عند الناس ثباتك.
وأكثر ذكر الله تعالى فيما بين الناس؛ ليتعلموا ذلك منك.
واتخذ لنفسك ورداً خلف الصلوات، تقرأ فيه القرآن، وتذكر الله تعالى، وتشكره على ما أودعك من الصبر، وأولاك من النعم.
واتخذ أياماً معدودة من كل شهر تصوم فيها؛ ليقتدي غيرك بك.
وارقب نفسك، وحافظ على الغير؛ لتنتفع من دنياك وآخرتك بعلمك.
ولا تشتر بنفسك ولا تبع، بل اتخذ لك مُصلحاً يقوم بأشغالك، وتعتمد عليه في أمورك، ولا تطمئن إلى دنياك، وإلى ما أنت فيه، فإن الله تعالى سائلك عن جميع ذلك.
ولا تشتر الغلمان المرد.
ولا تظهر من نفسك التقرب إلى السلطان قربك؛ فإنه ترفع إليه الحوائج، فإن قمت اهانك، وإن لم تقم أعابك.