وقال المخالف: لا سعاية عليه. فأخذ بالقياس وترك الخبر.

*مسألة، السكران إذا طلق امرأته.

قال أبو حنيفة: يقع طلاقه وعتاقه.

وكان القياس أن لا يقع، فترك القياس، وأخذ بخبر رواه أبو هريرة رضي الله تعالى عنه، وعن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: " ثلاثٌ جدهن جد وهزلهن جد: الطلاق، والعتاق، والنكاح ".

وقال من خالفه: لا يقع طلاقه، وعتاقه؛ لأنه لا يعقل. فأخذ بالقياس، وترك الخبر.

*مسألة، لو اجتمع جماعة في قتل رجل عَمداً.

قال أبو حنيفة: يقتلون جميعاً.

وكان القياس أن لا تقتل الجماعة بواحد، فترك القياس، وأخذ بخبر روي عن عمر رضي الله تعالى عنه، أنه قتل سبعة نفر بقتل رجلٍ واحد، فترك القياس بهذا، حتى قال عمر، رضي الله تعالى عنه: لو اجتمع أهل صنعاء على قتله لقتلتهم به.

وقال من خالفه: لا تقتل الجماعة بواحد. فأخذ بالقياس، وترك الخبر.

وفي هذا القدر كفايةٌ في الدلالة على أن أبا حنيفة رضي الله عنه لم يقدم القياس على الخبر، ومن ادعى ذلك فليس عنده خبر، وأن مخالفه هو الذي فعل ذلك، والله أعلم.

ومن جملة التشنيعات في حق الإمام، رضي الله تعالى عنه، أنهم زعموا أنه ترك من فروع الفقه طريق الاحتياط والتورع، وأفرط في الرخصة فيما يحتاج فيه إلى التحرج.

والجواب عن ذلك، أن هذا زعم ممنوع، وقول غير مسموع، لأن أبا حنيفة رضي الله تعالى عنه، كان من أزهد الناس وأورعهم وأتقاهم لله تعالى، وقد ذكرنا سابقاً من شهادة العلماء له بذلك ما فيه الكفاية، والدلالة على أنه كان أجل قدراً من أن يترك الاحتياط، ويتساهل في الدين.

ولا بأس بذكر بعض المسائل، التي تدل على أنه أخذ فيها بالأحوط، وترك غيره. فنقول، وبالله التوفيق: *مسألة، إذا أكل في رمضان متعمداً.

قال أبو حنيفة: يجب عليه الكفارة، كما يجب على المجامع. فأخذ بالاحتياط.

وقال من خالفه: يجب عليه قضاء يوم واحد، ولا يجب عليه الكفارة.

وفيما ذهب إليه المُخالف ترك الاحتياط.

*مسألة، إذا شرع الرجل في صوم التطوع، ثم أفطر.

قال أبو حنيفة: يجب عليه القضاء.

وقال من خالفه: لا يجب عليه القضاء.

والاحتياط فيما ذهب إليه أبو حنيفة، لا فيما ذهب إليه المُخالف.

*مسألة: إذا صُب في جوف الصائم شراب أو طعام.

قال أبو حنيفة: انتقض صومه، وعليه القضاء. وسلك فيه طريقة الاحتياط.

وقال المخالف: لا ينتقض صومه. فترك الاحتياط في فتواه.

*مسألة، إذا قاء الرجل، أو رعف أو افتصد.

قال أبو حنيفة: انتقض وضوءه.

وقال المخالف: لا ينتقض.

والأحوط ما قاله الإمام.

*مسألة، إذا صلى الرجل خلف إمام، والإمام محدث أو جنب وهو لا يعلم، ثم علم بعد فراغه من الصلاة.

قال أبو حنيفة: لا تجوز صلاة الغمام، وصلاة المُقتدي.

وقال من خالفه: صلاة المُقتدي جائزة.

والاحتياط فيما ذهب إليه الإمام.

*مسألة، إذا نَسى الرجل الظهر والعصر، في يومين مختلفين، ولا يدري أيهما الأول.

قال أبو حنيفة: يُصلي الظهر، ثم العصر، ثم الظهر، حتى يسقط الفرض عن ذمته بيقينٍ، ويكون ذلك أخذاً بالاحتياط.

وقال من خالفه: يُصلى مرة واحدة، ولا يصلى مرتين.

وفي ذلك ترك الاحتياط، لأن الفرض لا يسقط عن ذمته بيقينٍ.

*مسألة، إذا تكلم الرجل في صلاته ناسياً.

قال أبو حنيفة: تفسد صلاته.

وقال من خالفه: لا تفسد إن كان قليلاً، وإن كان كثيراً تفسد.

والاحتياط فيما ذهب إليه الإمام.

*مسألة، إذا تناول المُحرم من محظورات إحرامه ناسياً.

قال أبو حنيفة: تلزمه الذكاة.

وقال من خالفه: لا تجب عليه إذا كان ناسياً، إلا في الأشياء التي نص الله في كتابه على تحريمها، نحو قتل الصيد والجماع، وحلق الرأس.

والاحتياط فيما ذهب ليه الإمام.

*مسألة، إذا اشترك الرهط المحرمون في قتل الصيد.

قال أبو حنيفة: يجب على كل واحد منهم كفارة على حدة.

وقال من خالفه: يجب عليهم كفارة واحدة.

والاحتياط فيما قاله أبو حنيفة.

*مسألة، إذا استأجر الرجل شيئاً، ثم أجره من غيره بأكثر مما اساجره، ولم يزد من عنده شيئا.

قال أبو حنيفة: لا تطيب له الفضل، ويتصدق به.

والاحتياط فيما ذهب إليه أبو حنيفة، حتى لا يكون داخلاً تحت نهيه عليه الصلاة والسلام عن ربح ما لم يضمن.

ومسائل هذا النوع لا تنحصر، وفيما ذكرناه كفاية.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015