وعَلِّلِ النَّفْسَ عنهم بالحديث بهم ... إن الحديثَ عن الأحبابِ أَسْمارُ
وقال، يتضرع إلى الله تعالى، ويشكو أهله وأقاربه:
أيا ربِّ إن الأقرباء تباعدوا ... وعُوملت منهم بالقطيعة والهَجْرِ
وقطعتِ الأرحام بيني وبينهم وجوزِيت عن فِعلِ الصَّنائِعِ بالنَكْرِ
وأَغْلَقَ دُوني بابَه كلُّ صاحِبٍ ... فَتَّحْتُ له بابي وأَدْخَلْتُه خِدْري
تَخَيَّرْتُهُ منهم لِيَوْم مَسَاءَتِي ... وأعددتُه في كلِّ نائبةٍ ذُخْري
فخان عُهُودي إذْ وفيتُ بعَهْدِهِ ... وشحَّ بِرَفْدِي إذْ بَذَلْتُ له رِفْدِي
وأنت بِمَرْأَى يا إلهي ومَسْمَعٍ ... وعالِمُ مَكْنُونِ السرائرِ والجَهْرِ
أجِرْني من باغَ عليَّ بمالِهِ ... ومَعْقِلِه المَحْفُوفِ بالعَسْكَرِ الْمُجْرِ
أمَوْلايَ إنَّ العربَ تَمْنَعُ جارَها ... وتَدْفَعُ عنه الضَّيْمَ بالبيضِ والسُّمْرِ
وقد جِئْتُكَ اللَّهُمَّ أَرْجُوكَ ناصِراً ... لأنكَ أوْلَى من يُؤمَّلُ لِلنَّصْرِ
فخُذ بِيدي فيما أُرِّجى وأتَّقى ... على رغمِ أقوامٍ تَوَاطَوا على ضُرِّي
فألطافُكَ الحُسْنَى لَدَيَّ خَفِيَّةٌ ... تُبَلِّغُنِي الآمالَ مِن حيثُ لا أَدْري
ومن شعره أيضاً، قوله:
لمَّا تَنَمَّقَ وجهُه المُبْيَضُ منْ ... خَطِّ السَّوادِ المُسْتَقيمِ بأسْطُرِ
عايَنْتُ مَرأى لم أُشاهد مِثْلَهُ ... كَلاَّ ولم أَسْمَع به من مُخْبِر
وَجْهاً تَنَقَّلَ في فُنونِ ملاحَةٍ ... حتى تَمَسَّكَ بالْعِذَارِ الأَعْطرِ
فكأنَّهُ لمَّا استَدارَ عِذارُهُ ... بدرٌ بَدَا في هَالةٍ مِنْ عَنْبَرِ
ومن شعره أيضاً، قصيدة عدتها أربعة وثلاثون بيتاً، منها قوله:
صَبِّحَانِي بِوَجْهِهِ الْقَمَرِيّ ... واصْبِحَانِي بالسَّلْسَبِيلِ الرَّوِيِّ
ومنها: ما رَأَيْنا من قَبْلِ خَدَّيْهِ ورْداً يانِعاً فوق عارض سَوْسَنيِّ
كيف يُجنى الْبَنَفْسَجُ الغَضُّ منه ... وهو يُحْمَى بالنَّاظِرِ النَّرْجِسِيّ
ومنها:
أَعْطنيها كأنَّها وَهَجُ الشَّمْ ... سِ تَبَدَّتْ في بُرْجِها الْحَمَلِيِّ
قال ابن كثير في حق صاحب الترجمة: وكان فصيحاً، وله شعر، ولديه فضائل، واشتغل في علم الكلام على الشمس الخُسروشاهي، تلميذ الرازي.
وكان يعرف علم الأوائل جيداً، وقد حكوا عنه أشياء تدل إن صحت، على سوء عقيدته، والله أعلم.
قال: وذكروا عنه، أنه حضر أول درس ذُكر بالمستنصرية، في سنة اثنتين وستمائة، وأن الشعراء أنشدوا المُستنصر مدائح كثيرة، فقال بعضهم في قصيدة له:
لَوْ كنتَ في يوم السَّقيفة شَاهِداً ... كُنتَ المُقَدَّمَ والإمامَ الأعْظَمَا
فقال الناصر للشاعر: اسكت، قد أخطأت، قد كان جد أمير المؤمنين العباس شاهداً يومئذ، ولم يكن المقدم ولا الإمام الأعظم، وإنما كان المقدم والإمام الأعظم أبو بكر الصديق، رضي الله تعالى عنه.
وهذا من أحسن ما نُقل عنه، رحمه الله تعالى.
وكان، رحمه الله تعالى، شاعراً ماهراً، عالماً فاضلاً، وأشعاره وأخباره لا تدخل تحت الحصر، ولا يتيسر الإحاطة بها، وفيما ذكرناه منها مقنعٌ.
نشأ بمدينة قونية، وقرأ الأدب واللغة.
وتفقه على الشيخ جلال الدين الخبازي، لما قدم دمشق، وأقام بها نحواً من ثلاثين سنة.
ثم توجه إلى حلب، ودرس بها في القليجية والطرخانية نحواً من خمس عشرة سنة.
ثم خرج من حلب، متوجهاً إلى قلعة المسلمين، فأدركه أجله، وتوفي سنة خمس عشرة وسبعمائة.
وكان له معرفة تامة بالأصلين. رحمه الله تعالى.
كان إماماً، يروى عن عبد الرحمن بن أبي الليث.
قال الذهبي: وابنه أبو نصر أحمد بن داود بن محمد، روى عن أبيه، وعنه عمر بن منصور البخاري.