وأنا وحُبِّكَ لستُ أضمِرُ سَلْوَةً ... عن صبوتي ودَعِ الفؤادَ يَبِيدُ
وألذُّ ما لاقيتُ منك منيتي ... وأقل ما بالنفسِ فيك أَجُودُ
ومنَ الْعَجَائِبِ أنَّ قلبك لم يَلِنْ ... لِي والحديدُ ألانَه دَاوُدُ
ومن لطيف شعره، ما كتب به إلى الملك المنصور إبراهيم، صاحب حمص، يستدعيخ إلى مجلس أنس، وذلك لما كانا نازلين ببيسان، حين كانا مُنفقين على حرب الصالح نجم الدين أيوب، صاحب مصر، وكان ذلك يوم عيد الفطر في زمان الربيع، وهو:
يا مَلِكاً قد جَمَّلَ العَصْرَا ... وفاقَ أَمْلاكَ الوَرَى طُرَّا
وفاتَ في نائِلِهِ حاتماً ... وبَتَّ في إقدامه عَمْرَا
وباكَر العَلْياءَ فافتَضَّهَا ... وكانت النَّاهِدَة البِكْرَا
أما ترى الزَّهْرَ وقد جاءَنا ... مُسْتَقْبِلاً بالبِشْرِ والبُشْرَى
الصَّيْدُ والنَّيْرُوزُ في حالةٍ ... والمَلِكُ المنصورُ والنَّصْرا
والأرضُ قد باهَتْ به واغتدَتْ ... تَخْتالُ في حُلَّتِها الخَضْرَ
عَبَّسَتِ السُّحْبُ على نَوْرِهَا ... فراحَ ثَغْرُ النَّورِ مُفْتَرَّا
الصَّوْمُ قد وَلَّى بآلاتِهِ ... والفِطْرُ باللذاتِ قد كَرَّا
فانْهَضْ بلا نَطْلٍ ولا فَتْرَة ... نَرْتَشِف المَعْسُولةَ الخَمْرا
حِيرِيَّةٌ قد عُتِّقَتْ حِقْبَةً ... فأَقْبَلَت تُخْبِرُ عن كِسْرَى
واسْتَجلِهَا حَمْرَاءَ عَانِيةً ... تَحْسِبُها في كأسِها تِبْرَا
أو ذَوْبَ جَمْر حَلَّ في جامِدِ ال ... ماءِ فألأقى فوقه دُرَّا
وبادِرِ اللَّذاتِ في حِينِهَا ... وقُمْ بنا نَنْتَهِبِ العُمْرَا
في رَوْضَةٍ أُتْرُنْجُها ببانِعٌ ... يلوحُ في الأغصانِ مُصْفَرَّا
كأنَّهُ قد لاح في دَوْحِها ... وَجْهُ سَماءٍ أَطْلَعتْ زَهْرَا
واسْلَمْ ودُمْ في عِيشَةٍ رَغْدَةٍ ... تُبلى على جِدَّتِها الدَّهْرا
وقال شهاب الدين التلعفري الشاعر المشهور: اجتمعت ليلة بالملك الناصر داود، على شاطئ البحر بعسقلان، وقد طلع البدرُ وألقى شعاعه على البحر، فقال الملك الناصر مُرتجلاً:
يا ليلةً قَطَّعْتُ عُمْرَ ظَلامِهَا ... بِمُدامةٍ صَفْراءَ ذاتِ تأَجُجِ
بالساحِل النَّامي رَوَأئِحُ نَشْرِهِ ... عَن رَوْضه المُتَّضَوِع المُتأرِّجِ
واليَمُّ زاه قد هَدَا تَيَّارُهُ ... مِن بَعْدِ طُولِ تَقَلُّقٍ وتَمَوُّجِ
طَوْراً تُدَغْدِغُهُ الشَّمالُ وتَارةً ... يَكْرَى فتُوقِظُهُ بَناتُ الْخَزْرَجِ
والبدرُ قد ألقى سَنَا أنوارِهِ ... في لُجِّهِ المُتَجَعِّدِ المُتَدَبجِ
فكأنَّه إذ قد صَفْحةَ مُتنِهِ ... بِشُعاعِه المُتَّوقُدِ المُتَّوَهِجِ
نهرٌ تكوَّن من نُضَارٍ يانِعٍ ... يَجْري على أرضٍ مِن الفَيْرُوزَجِ
وقال أيضاً:
يا راكباً من أعالي الشَّام يَجْذِبُهُ ... إلى العِراقَيْنِ إدْلاجٌ وإسْحارُ
حَدَّثْتَني عن رُبُوعِ طالَما قُضِيْتْ ... لِلنَّفْسِ فيها لُباناتٌ وأوطارُ
لَدَى رِيَاضٍ سَقَاها المُزْنُ دِيمَتَهُ ... وزَانَها رَهْرٌ غَضٌ ونَوَّارُ
شَحَّ النَّدَى أن يُسقِّيها مُجاجَتَهُ ... فجَادها مُفْعَمُ الشُّوبُوبِ مِدْرَارُ
بَكَتْ عليها الغَوادي وهي ضاحِكةٌ ... وراحَتِ الريحُ فيها وهي مِعْطارُ
يا حُسْنَها حين زانتها جواسِقُها ... وأيْعَنَتْ في أعالي الدَّوحِ أَثْمارُ
فهيَ السماءُ اخضِراراً في جوانِبها ... كواكبٌ زُهرٌ تبدو وأقمارُ
ومنها:
كَرِّرْ على نازح شَطَّ المُزارُ بِهِ ... حديثكَ العَذْبَ لا شطَّتْ بك الدارُ