ابن أخي ثابت بن شبيب المذكور، نقل عنه ابن العديم، فيما شافهه به، وفاة عمه ثابت، على ما تقدم.
853 - داود بن عيسى بن أبي بكر بن أيوب بن شادي بن مروان
أبو المفاخر بن أبي العزائم
الملك الناصر ابن الملك المُعظم
فقيه، أديب.
ولد في جمادى الآخرة، سنة ثلاث وستمائة.
وتُوفي ليلة السبت، الثامن والعشرين، من جمادى الأولى، سنة ست وخمسين وستمائة، في الطاعون العام.
وروى أنه كان يقول: أشتهي أن يرزقني الله الشهادة. فطعن في جنبه الأيسر، فأصبح وهو يشكو ألماً مثل الطعن بالسيف، ودام على ذلك إلى آخر النهار، فلما أمسى نام، ثم انتبه، وقال: إني رأيت جنبي الأيسر يقول لجنبي الأيمن: أنا قد جاءت نوبتي فصبرت، والليلة نوبتك فاصبر كما صبرت. فأصبح وقد طُعن في جنبه الأيمن.
فلما كان بين الصلاتين، وقد سقطت قواه، نام ثم انتبه وهو يرعد، فقال: إني رأيت النبي صلى الله عليه وسلم، والخضر عليه الصلاة والسلام، قد جاء إلي، وجلسا عندي، ثم انصرفا.
فلما كان آخر النهار قال لولده الأكبر شهاب الدين غازي: يا بُني ما بقى في رجاء، فتهيأ في تجهيزي.
فبكى، وبكى الحاضرون، فقال له: لا تكن إلا رجلاً، ولا تعمل عمل النساء، ولا تغير هيئتك. وأوصاه بأهله وأولاده.
ثم اشتد به الضعف، وغاب صوابه، ثم أفاق فقال: بالله تقدموا إلى جانبي، فإني أجد وحشة.
ثم قال: أرى صفاً عن يميني، فيهم أبو بكر وسعد، وصورهم جميلة، وعليهم ثياب بيض، وصفا عن شمالي، وصورهم قبيحة، أبدان بلا رؤوس، ورؤوس بلا أبدان، وهؤلاء يطلبونني، (وهؤلاء لا يطلبونني) . وأنا أريد أروح إلى أهل اليمين.
ثم أغفى إغفاءة، ثم استيقظ، وقال: الحمد لله، خلصت، خلصت منهم. ثم مات، رحمه الله تعالى.
ولقد كان واسع النفس، مُحباً للعُلماء، مُقرباً لهم، مُحسناً إلى من يقدم عليه منهم، كثير العطاء لهم.
قدم عليه راجح الحلى، شاعر الملك الظاهر غازي بن صلاح الدين يوسف بن أيوب، ومدحه بقصيدته التي أولها:
أَمنكُمُ خَطَرتْ مِسْكِيَّةُ النَّفَسِ ... صَبأ تَلَقَّيْتُ منها بَرْدَ مُنْتَكِسِ
فأعطاه ألف دينار، وقُماشاً وأثاثاً بألف أخرى.
وانقطع إليه الإمام العلامة شمس الدين الخسروشاهي، ووصل إليه منه أموال جمة.
ولا بأس بإيراد شيءٍ يسير من نظمه البديع، فمنه قوله:
عُيُونٌ عن السِّحْرِ المُبِينِ تُبِينُ ... لها عندَ تَحْريكِ القلوب سُكُونُ
تَصُولُ بِبيضٍ وهْيَ سُودٌ فِرِنْدُها ... فُتُورُ ذُبُولٍ والجُفُونُ جُفُونُ
إذا أبصرتْ قلباً خَلِياً مِن الهوى ... تقولُ له كُنْ مُغْرَماً فيكونُ
وقوله أيضاً:
إذا عَايَنَتْ عَيْنَايَ أَعْلامَ جِلَّقٍ ... وبانَ مِن القَصْرِ المُشيد قِبَابُهُ
تَيَقَّنْتُ لأنَّ البَيْنَ قد بانَ والنوى ... نَأي شَخْصُه والعَيْشَ عادَ شَابابُهُ
وقوله أيضاً:
زارَ الحبيبُ وذَيْلُ الليلِ مُنْسَدِلٌ ... وانْجابَ عن وَجْهِه دَاجِي غَياهِبِهِ
فقال لي صاحبي والضوءُ قد رَفَعَتْ ... يَدَاهُ من لَيْلِنَا َرْخِي جَلاَبِبِه
أما ترى الضوءَ في ليلِ الْمِحَاقِ لقدْ ... جاءَ الزمانُ يَضْرِبُ من عَجائبه
فقلتُ يا غافِلاً عن نُورِ طَلْعَتِهِ ... أما ترى البَدْرَ يَبْدُو في عَقَارِبِهِ
وقوله أيضاً:
أُحِبُّ الغادةَ الحَسْنَاءَ تَرْنُو ... بِمُقْلَةِ جُؤذُرٍ فيها فُتُورُ
ولا أصبُو إلى رَشَاءٍ غَريرٍ ... وإن فَتَنَ الوَرى الرَّشَاأُ الغَريزُ
وأنى يَسْتَوي شمسٌ وبدرٌ ... ومنها يَسْتَمِدُّ ويَسْتَنِيرُ
وقوله أيضاً:
طرفِي وقلبي قاتلٌ وشَهيدُ ... ودَمِي على خَدَّيكَ منه شُهُودُ
يا أيُها الرَّشَأُ الذي لَحَظاتُهُ ... كم دُونَهُنَّ صَوَارِمٌ وأُسُودُ
مَنْ لي بِطَيْفِكَ بعدَما منَع الكرَى ... عن ناظِريَّ البُعْدُ والتَّسْهِيدُ