قرأ على المولى خواجه زاده، وغيره.
ودرس بإحدى الثمان، وغيرها، وصار مدرساً بمدرسة السلطان بايزيد بأدرنة، إلى أن توفي سنة خمس وتسعين وثمانمائة. تغمده الله تعالى برحمته.
حرف التاء المُثناة من فوق
588 - تغري برمش بن يوسف بن عبد الله، أبو المحاسن
الزين التركماني، القاهري، الحنفي
قدم القاهرة شاباً، وقرأ على الجلال التباني، وغير، وداخل الأمراء الظاهرية.
وكان متعصباً لأهل مذهبه، مع محبيه لأهل الحديث، والتعصب لهم أيضاً، محباً للسنة، كثير الحط على ابن العربي ونحوه، مبالغاً في ذلك، بحيث صار يحرقُ ما يقدر عليه من كتبه، بل ربط مرة بكتاب " الفصوص " في ذنب كلب، ونفق بذلك سوقه عند كثير من الناس، وكسد عند آخرين، وقام عليه بسبب ذلك جماعة من أضداده، فلم يكترث بهم، ونصر عليهم، واستفتى في ذلك البلقيني وغيره من أعيان علماء المذاهب الأربعة، فأفتوه بذمه، وذم كتبه، وجواز إعدامها، وصار يعلن بذلك ويبالغ فيه، وجعله دأبه وديدنه.
وصحب جماعة من الأتراك بمصر، واستفاد بصحبتهم جاهاً وتعظيماً عند أعيان الناس بالقاهرة وغيرها، في دولة الظاهر، وغيره، وكتب له مرسوم بإنكار المنكرات المجمع عليها، وأمر الحكام بمعونته في ذلك، فناله بهذا السبب ألسنة العوام، بل ربما أوقع بعضهم به الفعل، وكان الظفر له عليهم.
وكان أكثر إقامته بالحرمين الشريفين، وانتفع أهلها به كثيراً.
وكان قد اشتغل في بلاده، وفي القاهرة، بفنون من العلم، وكان يستحضر كثيراً من المسائل الفقهية، وغيرها، لكنه ليس بالماهر.
ورتبه السلطان المؤيد مدرساً بالجامع الذي بناه بالقلعة، وتخرج به جماعة من الجراكسة.
مات ليلة الأربعاء، مستهل المحرم، سنة ثلاث وعشرين وثمانمائة، ودفن في صبيحتها، بالمعلاة. رحمه الله تعالى.
هكذا لخصت هذه الترجمة من " الضوء اللامع "، والذي ظهر لي من كلامه، وكلام من نقل عنه، أن صاحب الترجمة كان من خيار الناس، وأنه لم يكن فيه عيب إلا أنه يصدع بالحق، ولا يُحسن مداراة الفساق، فحصل له بذلك عند أها عصره ما لا يليق من كلامهم فيه، وحطهم عليه، وحسدهم له، والله تعالى يغفر للمسيء منهم، آمين.
589 - تغري برمش، سيف الدين الجلالي، الناصري
ثم المؤيدي
نائب القلعة بالقاهرة، ويعرف بالفقيه.
كان يزعم أن أباه كان مسلماً، وأن بعض التجار اشتراه ممن سرقه، فابتاعه منه الخواجا جلال الدين، وقدم به حلب، وتنقلت به الأحوال، وصار يُخالط أرباب الدول في أمورهم، ووجه رسولاً إلى الديار الرومية، وعينُ لغزو رودس، وحصل له من كثرة دخوله فيما لا يعنيه جفاء من السلطان، وانحراف عليه، ونفى إلى بيت المقدس، فأقام به بطالاً، إلى أن مات، في ليلة الجمعة، ثالث شهر رمضان، سنة اثنتين وخمسين وثمانمائة، وقد زاد على الخمسين.
وكان قد اعتنى بالحديث، وأخذ عن الحافظ ابن حجر، وناصر الدين الفاقوسي، والشمس ابن المصري، والزين الزركشي، وطائفة.
ولقى بالشام ابن ناصر الدين، وبحلب البرهان الحلبي، ووصفه ابن حجر بصاحبنا المحدث الفاضل، ووصفه أيضاً بالحافظ.
قال السخاوي: وبالجملة، فكان فاضلاً، ذاكراً لجملة من الرجال والتاريخ وأيام الناس، مشاركاً في الأدب وغيره، حسن المحاضرة، حلو المذاكرة، جيد الخط، فصيحاً، عارفاً بفنون الفروسية، مُحباً في الحديث وأهله، مستكثراً من كتبه، فرداً في أبناء جنسه، مع زهو وإعجاب وتعاظم. انتهى.
وقد مدحه محمد بن حسن بن علي النواجي، بقصيدة فريدة، لا بأس بإيرادها هنا بتمامها، وهي:
أَياديكَ أم بَحْرٌ يَجِلُّ عن النهرِ ... ولَفْظُك دُرٌ أم هو الكوكب الدُّرِّي
ووَشْيُ رَقِيمٍ بالْيَراعِ مُحَبَّر ... بطِرْسِك أم نَوْعٌ بَدِيعٌ من السِّحْرِ
وغُصنُ يَرَاعٍ ما نَرَى أم سَحابةٌ ... تَسِيرُ بأرْزاقِ البَرِيَّةِ بل تسْرِي
وآراؤُكَ الغُرُّ العُلاَ أم كَتَائِبٌ ... تَسُوقُ نُفُوسَ المُلْحِدِنَ إلى الحَشْر
فيا فارِسَ الإسْلامِ يا سَيْفَ دولةٍ ... به قُطِعَتْ أَوْصالُ دَاعيةِ الكُفْرِ
يَمِينُكَ فيها اليُمْنُ والأَمْنُ والمُنَىويُسْرَالكَ خُصَّتْ في البَرِيَّةِ باليُسْرِ