قال، فقال: أدخله علي.
فأدخلته عليه.
قال: فقال: يا بشر أدنه، ويلك يا بشر ادنه، مرتين، أو ثلاثاً.
فلم يزل يدينه حتى قرب منه، فقال: ويلك يا بشر، من تعبد، وأين ربك؟ فقال: وما ذاك يا أبا الحسن.
قال: أخبرتُ عنك أنك تقول: القرآن مخلوق، وإن الله معك في الأرض. مع كلام.
- ولم أر شيئاً أشد على أبي من قوله: القرآن مخلوق، وإن الله معه في الأرض -.
فقال: يا أبا الحسن، لم أجيء لهذا، إنما جئتُ في كتاب خالد تقرأه علي.
قال: فقال له: لا، ولا كرامة، حتى أعلم ما أنت عليه، أين ربك ويلك؟ قال، فقال له: أوتعفيني؟ قال: ما كنت لأعفيك.
قال: أما إذا أبيت، فإن ربي نور في نور.
قال: فجعل يزحف إليه، ويقول، ويلكم، اقتلوه، فإنه والله زنديقٌ، وقد كلمت هذا الصنف بخراسان.
وعن الحسين بن علي الكرابيسي، أنه قال: جاءت أم بشر المريسي إلى الشافعي، فقالت: يا أبا عبد الله، أرى ابني يهابك ويُحبك، وإذا ذكرت عنده أجلك، فلو نهيته عن هذا الرأي الذي هو فيه، فقد عاداه الناس عليه، ويتكلم في شيء يواليه الناس عليه ويحبونه.
فقال لها الشافعي: أفعل.
فشهدت الشافعي، وقد دخل عليه بشر، فقال له الشافعي: أخبرني عما تدعو إليه، أكتاب ناطق، أم فرض مفترض، أم سنة قائمة، أو وجوب عن السلف البحث فيه، والسؤال عنه؟ فقال بشر: ليس فيه كتاب ناطق، ولا فرض مفترض، ولا سنة قائمة، ولا وجوب عن السلف البحث فيه، إلا أنه لا يسعنا خلافه.
فقال الشافعي: أقررت على نفسك بالخطأ، فأين أنت عن الكلام في الفقه والأخبار، يُواليك الناس عليه، وتترك هذا؟ قال: لنا نهمه فيه.
فلما خرج بشر قال الشافعي: لا يفلح.
قال الحسين: كلمت يوماً بشراً المريسي، شبيهاً بهذا السؤال، قال: فرض مفترض، قلت: من كتاب، أو سنة، أو إجماع؟ قال: من كل.
قال: فكلمته حتى قام وهو يضحك منه.
وقال البويطي: سمعتُ الشافعي يقول: ناظرت المريسي في القرعة، فذكرت له حديث عمران بن حصين، عن النبي صلى الله عليه وسلم في القرعة.
فقال: يا ابا عبد الله، هذا قمار.
فأتيت ابا البختري، فقلت له: سمعت المريسي يقول: القرعة قمار.
فقال: يا ابا عبد الله، شاهد آخر، واقتله.
وقال أبو ثور: سمعت الشافعي يقول: قلت لبشر المريسي: ما تقول في رجل قُتل، وله أولياء صغار، وكبار، هل للأكابر أن يقتلوا دون الأصاغر؟.
فقال: لا.
فقلت له: فقد قتل الحسن بن علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، ابن ملجم، ولعلي أولاد صغار.
فقال: أخطأ الحسن بن علي.
فقلت: أما كان جواب أحسن من هذا اللفظ؟ قال: وهجرته من يومئذ.
وعن قتيبة بن سعيد، قال: دخل الشافعي على أمير المؤمنين، وعند بشر المريسي، فقال أمير المؤمنين للشافعي: ألا تدري من هذا؟ هذا بشرٌ المريسي.
فقال له الشافعي: أدخلك الله في أسفل سافلين، مع فرعون وهامان وقارون.
فقال المريسي: أدخلك الله أعلى عليين، مع محمد وإبراهيم وموسى صلى الله عليهم وسلم.
قال محمد بن إسحاق: فذكرت هذا الحكاية لبعض أصحابنا، فقال لي: لا تدري أي شيءٍ اراد المريسي بقوله؟ كان منه طنزاً، لأنه يقول: ليس ثم جنة ولا نار.
وروى عن حميد الطوسي، أنه دخل على أمير المؤمنين، وعند بشر المريسي، فقال أمير المؤمنين لحميد: أتدري من هذا يا أبا غانم؟ قال: لا.
قال: هذا بشر المريسي.
فقال حميد: يا أمير المؤنين، هذا سيد الفقهاء، هذا قد رفع عذاب القبر، ومسألة منكر ونكير، والميزان، والصراط، أنظر هل يقدر يرفع الموت؟ ثم نظر إلى بشر، فقال، لو رفعت الموت كنت سيد الفقهاء حقاً.
وروى أن يهودياً مر على بشر، والناس مجتمعون عليه، فقال لهم: لا يفسد عليكم كتابكم، كما أفسد أبوه علينا التوراة، يعني أنا أباه كان يهودياً.
وعن أبي مسلم صالح بن أحمد بن عبد الله بن صالح العجلي، قال: حدثني أبي، قال: رأيت بشراً المريسي - عليه لعنة الله - مرة واحدة، شيخاً قصيراً، ذميم المنظر، وسخ الثياب، وافر الشعر، أشبه شيء باليهود، وكان أبوه يهودياً صباغاً بالكوفة في سوق المراضع، ثم قال: لا يرحمه الله، فقد كان فاسقاً.
وكان أبو زرعة الرازي، يقول: بشرٌ المريسي زنديق.