ومات وهو مدرس بإحدى الثمان، في اليوم الثاني من آخر الربيعين، سنة ثمان وعشرين وتسعمائة، ودفن عند مسجده بمدينة قُسطنطينية.
وكان من المشهورين بالعلم والفضل في الديار الرومية، وكان عنده كتب كثيرة، أوقفها قبل وفاته على أولاده، ثم على طلبة العلم الشريف، وله " رسالة " متضمنة للأجوبة عن إشكالات المولى سيدي الحُميدي.
كان عالماً، عاملاً، مدبراً، جعله السلطان بايزيد خان معلماً لابنه السلطان محمد خان، عليه الرحمة والرضوان.
وذد ذكرته في هذا الباب، ولم أذكره في الكنى، لان اصطلاح أهل بلاد الروم في أكثر الكنى هكذا، بل هو علم عندهم، يضعونه على المولود وقد ولادته، ولو سألت أكثرهم عن الاصطلاح فيه ما عرفه، فيكون بهذا الاعتبار علماً مركباً محله في هذا الباب، والله تعالى أعلم.
الإمام البارع، العالم، العامل، قاضي العساكر بولاية أناطولي.
كان من أرقاء رجل من أكابر النظار، يعرف بافشانجي محمد جلبي، وكان قد اشتغل من صغره، ولازم أفاضل العلماء، وتردد إليهم، وأخذ عنهم، وأجل من قرأ عليه الإمام العلامة أحمد بن سليمان بن كمال باشا، فقرأ عليه كثيراً من مؤلفاته، وكان يكرمه، ويعتني به.
ثم إنه صار مدرساً بمدارس متعددة، منها مدرسة إبراهيم باشا القديمة بقُسطنطينية، ومدرسة محمود باشا بها أيضاً، بخمسين عُثمانياً، ثم بمدرسة دار الحديث بأدرنة، ثم بإحدى المدارس الثمان، ثم صار قاضياً ببغداد، ثم عزل عنها وولي قضاء حلب، ثم قضاء دمشق، ثم قضاء أدرنة، ثم قضاء إصطنبول، ثم قضاء العسكر بولاية أناطولي، وكان محموداً في هذه الولايات كلها، يقول الحق، ويعمل به، ثم أقام معزولاً مدة مديدة، ثم ولي قضاء مكة المشرفة، ومات بها في سنة......، ودفن بالمعلاة، رحمه الله تعالى.
563 - بركة بن علي بن بركة بن الحسين
ابن أحمد بن بركة بن علي، أبو الخطاب
الفقيه، الإمام الكبير، له مصنفات، منها كتاب " كامل الآلة في صناعة الوكالة "، يشتمل على الشروط، وهو كتاب حسن في فنه.
مات في ربيع الأول، سنة خمس وستمائة، رحمه الله تعالى.
564 - بشر بن غياث بن أبي كريمة
أبو عبد الرحمن المريسي
مولى زيد بن الخطاب.
كان يسكن في الدرب المعروف به، ويُسمى درب المريسي، وهو بين نهر الدجاج ونهر البزازين.
أخذ الفقه عن أبي يوسف القاضي، واشتغل بالكلام، وجرد القول بخلق القرآن، وحكي عنه أقوال شنيعة، ومذاهب مُستنكرة، أساء أهل العلم قولهم فيه بسببها، وكفره أكثرهم لأجلها.
وكان الأليق بكتابنا هذا عدم ذكره، والإضراب عن الاعتناء بأمره، فإنه كان - والحق أحق أن يتبع - سيئة من سيئات الزمان، ونقمة من نقم الحدثان، لكن ذكرناه تبعاً للغير، وتحذيراً منه ومن العمل بطريقته، ولاحتمال أن يكون الله قد هداه قبل الموت إلى الحق واعتقاده، وإلا فالمشهور أن الرجل كان غير مُتقيد بدين ولا مذهب، وسنذكر ما قاله في حقه الثقات الأثبات، من غير ميل إليه، وانحراف عنه، والله تعالى أعلم بالصواب.
قال في " الجواهر ": أخذ الفقه عن أبي يوسف، وبرع فيه، ونظر في الكلام والفلسفة.
قال الصيمري، فيما جمعه: ومن أصحاب أبي يوسف خاصة بشر بن غياث المريسي، وله تصانيف، وروايات كثيرة عن أبي يوسف، وكان من أهل الورع والزهد، غير أنه رغب الناس عنه في ذلك الزمان، لاشتهاره بعلم الكلام، وخوضه في ذلك، وعنه أخذ حُسين النجار مذهبه، وكان أبو يوسف يذمه.
قال: وهو عندي كإبرة الرفاء، طرفها دقيق، ومدخلها ضيق، وهي سريعة الانكسار.
انتهى.
وعن إسحاق بن إبراهيم بن عمر بن منيع: كان بشر المريسي، يقول بقول صنف من الزنادقة سماهم صنف كذا وكذا، الذين يقولون ليس بشيءٍ.
وعن عباد بن العوام: كلمت بشراً المريسي، وأصحاب بشرٍ، فرأيت آخر كلامهم ينتهي إلى أن يقولوا: ليس في السماء شيء.
وعن يحيى ابن عاصم، قال: كنت عند أبي، فاستأذن عليه بشرٌ المريسي، فقلت: يا أبتِ، يدخل عليك مثل هذا!! فقال: يا بُني، وماله؟ قال، قلت: إنه يقول: القرآن مخلوق، وإن الله معه في الأرض، وإن الجنة والنار لم يُخلقا، وإن منكراً ونكيراً باطلٌ، وإن الصراط باطل، وإن الشفاعة باطلٌ، وإن الميزان باطل، مع كلام كثير.