فاستحالت في يده غربا فلم أر عبقريا من الناس يفري فريه حتى ضرب الناس بعطن ولقد صدق الله ورسوله الرؤيا فتولى الخلافة عمر بن الخطاب بعد أبي بكر رضي الله عنهما وقوي سلطان الإسلام وانتشر في مشارق الأرض ومغاربها ففتحت بلاد الشام والعراق ومصر وأرمينية وفارس حتى إنه قيل إن الفتوحات في عهده بلغت ألفا وستا وثلاثين مدينة مع سوادها بنى فيها أربعة آلاف مسجد وكان رضي الله عنه مع سعة خلافته مهتما برعيته قائما فيهم خير قيام قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله إن الله أعز به الإسلام وأذل به الشرك وأهله وأقام شعائر الدين الحنيف ومنع من كل أمر فيه نزوع إلى نقض عرى الإسلام مطيعا في ذلك الله ورسوله وقافا عند كتاب الله ممتثلا لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم متحذيا حذو صاحبيه مشاورا في أموره السابقين الأولين مثل عثمان وعلي وطلحة والزبير وغيرهم ممن له علم أو رأي أو نصيحة للإسلام وأهله حتى إن العمدة في الشروط على أهل الذمة على شروطه فقد شرط رضي الله عنه على أهل الذمة من النصارى وغيرهم ما ألزموا به أنفسهم من إكرام المسلمين والتميز عنهم في اللباس والأسامي وغيرها وأن لا يظهروا الصليب على كنائسهم ولا في شيء من طرق المسلمين وأن لا ينشروا كتبهم أو يظهروها في أسواق المسلمين ولقد كان رضي الله عنه يمنع من استعمال الكفار في أمور الأمة أو إعزازهم بعد أن أذلهم الله قال أبو موسى الأشعري قلت لعمر رضي الله عنه إن لي كاتبا نصرانيا فقال ما لك قاتلك الله أما سمعت الله يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [المائدة: 51] ألا اتخذت حنيفا يعني مسلما قال قلت يا أمير المؤمنين لي كتابته وله دينه قال لا أكرمهم إذ أهانهم الله ولا أعزهم إذ أذلهم الله ولا أدنيهم إذا أقصاهم الله. وكتب إليه خالد بن الوليد يقول إن بالشام كاتبا نصرانيا لا يقوم خراج الشام إلا به فكتب إليه عمر لا تستعمله فكتب خالد إلى عمر أنه لا غنى بنا عنه فرد عليه لا تستعمله فكتب إليه خالد إذا لم نستعمله ضاع المال فكتب إليه عمر مات النصراني والسلام. ولقد كانت هذه السياسة الحكيمة لعمر من منع تولي غير المسلمين لأمور المسلمين وإن كانت شيئا بسيطا كانت هذه السياسة مستوحاة من سياسة النبي صلى الله عليه وسلم حيث لحقه مشرك ليقاتل معه فقال النبي صلى الله عليه وسلم «إني لا أستعين بمشرك» . ولقد كان أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه مع هذا الحزم والحيطة لأمور المسلمين في مجانبة