أعدائهم والغلظة عليهم سببا قويا لنصر الإسلام وعزة المسلمين وكان يكتب إلى عماله يحذرهم من الترفع والإسراف كتب إلى عتبة بن فرقد وهو في أذربيجان فقال يا عتبة إنه ليس من كد أبيك ولا من كد أمك فأشبع المسلمين في رحالهم مما تشبع منه في رحلك وإياك والتنعم وزي أهل الشرك ولباس الحرير. وكان لا يحابي في دين الله قريبا ولا صديقا. الناس عنده سواء. يروى عنه أنه كان إذا نهى عن شيء جمع أهله فقال إني نهيت الناس عن كذا وكذا وإنهم لينظرون إليكم نظر الطير إلى اللحم والله لا أجد أحدا منكم فعل ما نهيت عنه إلا أضعفت عليه العقوبة وكان يقوم في الناس في مواسم الحج فيقول إني لا أبعث عليكم عمالي ليضربوا جلودكم ولا ليأخذوا أموالكم ولكن أبعثهم إليكم ليعلموكم دينكم ويحكموا فيكم بسنة نبيكم فمن فعل به سوى ذلك فليرفعه إلي. وكان رضي الله عنه مهتما بأمور الرعية صغيرها وكبيرها. خرج ذات ليلة إلى الحرة ومعه مولاه أسلم فإذا نار تسعر فقال يا أسلم ما أظن هؤلاء إلا ركبا قصر بهم الليل والبرد فلما وصل مكانها إذا هي امرأة معها صبيان يتضاغون من الجوع قد نصبت لهم قدر ماء على النار تسكتهم به ليناموا فقال عمر السلام عليكم يا أهل الضوء وكره أن يقول يا أهل النار ما بالكم وما بال هؤلاء الصبية يتضاغون قالت المرأة يتضاغون من الجوع قال فأي شيء في هذا القدر قالت ماء أسكتهم به أوهمهم أني أصنع طعاما حتى يناموا والله بيننا وبين عمر فقال يرحمك الله وما يدري عمر بكم قالت أيتولى أمرنا ويغفل عنا فبكى عمر رضي الله عنه ورجع مهرولا فأتى بعدل من دقيق وجراب من شحم وقال لأسلم أحمله على ظهري قال أنا أحمله عنك يا أمير المؤمنين فقال أنت تحمل وزري يوم القيامة فحمله حتى أتى المرأة فجعل يصلح الطعام لها وجعل ينفخ تحت القدر والدخان يتخلل من لحيته حتى نضج الطعام فأنزل القدر وأفرغ منه في صحفة لها فأكل الصبية حتى شبعوا وجعلوا يضحكون ويتصارعون فقالت المرأة جزاك الله خيرا أنت أولى بهذا الأمر من عمر فقال لها عمر قولي خيرا.
أيها المسلمون هكذا كانت سيرة الخلفاء في صدر هذه الأمة حين كانت الرعية قائمة بأمر الله خائفة من عقابه راجية لثوابه فلما بدلت الرعية وغيرت وظلمت نفسها تبدلت أحوال الرعاة وكما تكونون يولى عليكم.