من الناس الذين يحجون عن غيرهم إنما يحجون من أجل كسب المال فقط، وهذا حرام عليهم، فإن العبادات لا يجوز للعبد أن يقصد بها الدنيا يقول الله تعالى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا - أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [هود: 15 - 16] ويقول تعالى: {فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ} [البقرة: 200] فلا يقبل الله تعالى من عبد عبادة لا يبتغي بها وجهه، ولقد حمى رسول الله صلى الله عليه وسلم أماكن العبادة من التكسب للدنيا، فقال صلى الله عليه وسلم: «إذا رأيتم من يبيع أو يبتاع في المسجد، فقولوا: لا أربح الله تجارتك» . فإذا كان هذا فيمن جعل موضع العبادة مكانا للتكسب يدعى عليه أن لا يربح الله تجارته، فكيف بمن جعل العبادة نفسها غرضا للتكسب الدنيوي كأن الحج سلعة، أو عمل حرفة لبناء بيت، أو إقامة جدار تجد الذي تعرض عليه النيابة يكاسر ويماكس هذه دراهم قليلة، هذه لا تكفي زد أنا أعطاني فلان كذا، أو أعطي فلان حجة بكذا، أو نحو هذا الكلام مما يقلب العبادة إلى حرفة وصناعة، ولهذا صرح فقهاء الحنابلة رحمهم الله بأن تأجير الرجل ليحج عن غيره غير صحيح، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: من حج ليأخذ المال، فليس له في الآخرة من خلاق لكن إذا أخذ النيابة لغرض ديني مثل أن يقصد نفع أخيه بالحج عنه، أو يقصد زيادة الطاعة والدعاء والذكر في المشاعر، فهذا لا بأس به وهي نية سليمة.
إن على الذين يأخذون النيابة في الحج أن يخلصوا النية لله تعالى وأن تكون نيتهم قضاء وطرهم بالتعبد حول بيت الله وذكره ودعائه مع قضاء حاجة إخوانهم بالحج عنهم وأن يبتعدوا عن النية الدنيئة بقصد التكسب بالمال فإن لم يكن في نفوسهم إلا التكسب بالمال فإنه لا يحل لهم أخذ النيابة حينئذ. ومتى أخذ النيابة بنية صالحة، فالمال الذي يأخذه كله له، إلا أن يشترط عليه رد ما بقي. وكذلك يجب عليه أن ينوي العمرة والحج لمن وكله؛ لأن هذا هو المعروف بين الناس إلا أن يشترط لنفسه أن العمرة له، فله ما شرط، ولا يحل لمن أخذ النائبة أن يوكل غيره فيها لا بقليل، ولا بكثير إلا برضا من صاحبها الذي أعطاه إياها وثواب الأعمال المتعلقة بالنسك كلها لمن وكله، أما مضاعفة الأجر بالصلاة والطواف الذي يتطوع به خارجا عن النسك وقراءة القرآن لمن حج لا للموكل، ويجب على الوكيل في الحج والعمرة أن يجتهد