[الخطبة الثانية في الاستنابة في الحج عن الغير]

الخطبة الثانية

في الاستنابة في الحج عن الغير الحمد لله الذي شرع العبادات لتزكية النفوس وتكميل الإيمان، ونوعها ما بين بدنية ومالية، وجامعة بين الأموال والأبدان، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك الديان، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله إلى الإنس والجان صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان، وسلم تسليما.

أما بعد أيها الناس اتقوا الله تعالى، واعلموا أن الحج من أفضل العبادات وأعظمها ثوابا، فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أن قال: «العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة» وأنه قال: «من حج فلم يرفث، ولم يفسق رجع كما ولدته أمه» . يعني نقيا من الذنوب. وأن الحج عبادة بدنية، وإن كان فيها شيء من المال كالهدي، فهي في ذاتها عبادة بدنية يطلب من العبد فعلها بنفسه، وقد جاءت السنة بالاستنابة فيها في الفريضة حال اليأس من فعلها ففي صحيح البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما «أن امرأة قالت: " يا رسول الله إن فريضة الله على عباده في الحج أدركت أبي شيخا كبيرا لا يثبت على الراحلة، أفأحج عنه؟ قال: نعم» . ذلك في حجة الوداع «وأن امرأة أخرى قالت: يا رسول الله إن أمي نذرت أن تحج، فلم تحج حتى ماتت، أفأحج عنها؟ قال: " نعم حجي عنها، أرأيت لو كان على أمك دين أكنت قاضيته؟ قالت: نعم قال: اقضوا الله، فالله أحق بالوفاء» . فمن كان قادرا على الحج بنفسه، فإنه لا يصح أن يوكل من يحج عنه، وقد تساهل كثير من الناس في التوكيل في حج التطوع حتى أصبح لا يحدث نفسه أن يحج إلا بالتوكيل يوكل غيره أن يحج عنه، فيحرم نفسه الخير الحاصل له بالحج بنفسه من أجر تعب العبادة، وما يكون فيها من ذكر ودعاء وخشوع ومضاعفة أعمال ولقاءات نافعة وغير ذلك اعتمادا على توكيله من يحج عنه، وقد منع الإمام أحمد رحمه الله في إحدى الروايتين عنه من توكيل القادر من يحج عنه في التطوع، فلا ينبغي للمسلم أن يتساهل في ذلك بل يحج بنفسه إن شاء، أو يعين الحجاج بشيء من المال ليشاركهم في الأجر من غير أن ينقص من أجورهم شيء.

أيها الناس إن الحج عبادة من العبادات يفعلها العبد تقربا إلى الله تعالى وابتغاء لثواب الآخرة، فلا يجوز للعبد أن يصرفها إلى تكسب مادي يبتغي بها المال، وإن من المؤسف أن كثيرا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015