فاتقوا الله عباد الله، وأدوا ما فرضه الله عليكم من الحج تعبدا لله تعالى، ورضا بحكمه وسمعا وطاعة لأمره إن كنتم مؤمنين: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا} [الأحزاب: 36] إن المؤمن إذا أدى الحج والعمرة بعد بلوغه مرة واحدة، فقد أسقط الفريضة عن نفسه، وأكمل بذلك أركان إسلامه، ولم يجب عليه بعد ذلك حج ولا عمرة إلا أن ينذر الحج أو العمرة، فيلزمه الوفاء بما نذر لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من نذر أن يطيع الله فليطعه» . أيها المسلمون إن من تمام رحمة الله ومن بالغ حكمته أن جعل لفرائضه حدودا وشروطا لتنضبط الفرائض، وتتحدد المسؤولية، وجعل هذه الحدود والشرائط في غاية المناسبة للفاعل والزمان والمكان، ومن هذه الفرائض الحج، فله حدود وشروط، ولا يجب على المسلم إلا بها، فمنها البلوغ، ويحصل في الذكور بواحد من أمور ثلاثة: إنزال المني أو تمام خمس عشرة سنة أو نبات العانة. وفي الإناث بهذه الثلاثة وزيادة أمر رابع، وهو الحيض فمن لم يبلغ فلا حج عليه ولو كان غنيا لكن لو حج صح حجه تطوعا، وله أجره، فإذا بلغ أدى الفريضة؛ لأن حجه قبل البلوغ لا يسقط به الفرض؛ لأنه لم يفرض عليه بعد فهو كما لو تصدق بمال ينوي به الزكاة قبل أن يملك نصابه. وعلى هذا فمن حج ومعه أبناؤه أو بناته الصغار، فإن حجوا معه كان له أجر، ولهم ثواب الحج، وإن لم يحجوا فلا شيء عليه ولا عليهم.

ومن شروط وجوب الحج أن يكون مستطيعا بماله وبدنه؛ لأن الله تعالى شرط ذلك للوجوب في قوله: {مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} [آل عمران: 97] فمن لم يكن مستطيعا، فلا حج عليه، فالاستطاعة بالمال أن يملك الإنسان ما يكفي لحجة زائدا عن حوائج بيته، وما يحتاجه من نفقة وكسوة له ولعياله وأجرة سكن لمدة سنة، وقضاء ديون حالة، فمن كان عنده مال يحتاجه لما ذكر لم يجب عليه الحج، ومن كان عليه دين حال لم يجب عليه الحج حتى يوفيه. والدين كل ما ثبت في ذمة الإنسان من قرض وثمن مبيع وأجرة وغيرها، فمن كان في ذمته درهم واحد حال فهو مدين، ولا يجب عليه الحج حتى يبرأ منه بوفاء أو إسقاط؛ لأن قضاء الدين مهم جدا، حتى إن الرجل ليقتل في سبيل الله شهيدا، فتكفر عنه الشهادة كل شيء إلا الدين، فإنها لا تكفره، وحتى إن الرجل ليموت، وعليه الدين، فتعلق نفسه بدينه حتى يقضى عنه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015