الفرع الخامس
في الحج والأضحية الخطبة الأولى
في فرضية الحج وشروطها الحمد لله الذي فرض الحج على عباده إلى بيته الحرام، ورتب على ذلك جزيل الأجر ووافر الإنعام، فمن حج البيت، فلم يرفث، ولم يفسق خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه نقيا من الذنوب والآثام والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة دار السلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ذو الجلال والإكرام، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أفضل من صلى، وزكى، وحج، وصام، وصلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان ما تعاقبت الليالي والأيام، وسلم تسليما.
أما بعد أيها الناس اتقوا الله تعالى، وأدوا ما فرضه الله عليكم من الحج إلى بيته حيث استطعتم إليه سبيلا فقد قال الله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} [آل عمران: 97] وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا» . وأخبر صلى الله عليه وسلم أن الإسلام بني على هذه الخمس فلا يتم إسلام عبد حتى يحج، ولا يستقيم بنيان إسلامه حتى يحج. وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: لقد هممت أن أبعث رجالا إلى هذه الأمصار، فينظروا كل من له جدة (أي غنى) ولم يحج فيضربوا عليهم الجزية ما هم بمسلمين ما هم بمسلمين.
ففريضة الحج ثابتة بكتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وبإجماع المسلمين عليها إجماعا قطعيا، فمن أنكر فريضة الحج، فقد كفر، ومن أقر بها، وتركها تهاونا فهو على خطر. فإن الله يقول بعد ذكر إيجابه على الناس: {وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} [آل عمران: 97] كيف تطيب نفس المؤمن أن يترك الحج مع قدرته عليه بماله وبدنه، وهو يعلم أنه من فرائض الإسلام، وأركانه كيف يبخل بالمال على نفسه في أداء هذه الفريضة وهو ينفق الكثير من ماله فيما تهواه نفسه؟ وكيف يوفر نفسه عن التعب في الحج وهو يرهق نفسه في التعب في أمور دنياه؟ وكيف يتثاقل فريضة الحج وهو لا يجب في العمر سوى مرة واحدة؟ وكيف يتراخى ويؤخر أداءه وهو لا يدري لعله لا يستطيع الوصول إليه بعد عامه.