وأما قوله: ولو فرضنا أن الحديث صحيح فهو من قبيل قوله تعال: {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} .
فأقول: ليس هذا من هذا الباب، وهذا من نوادر جهل هؤلاء الضلال، فإن لفظ الاستغاثة طلب الغوث ممن هو بيده، لمن أصابته شدة، ووقع في كرب، وإلا الأنجح والأولى لمن أصابه ذلك أن يستغيث بمن يجيب المضطر إذا دعاه، الموصوف بأنه غياث المستغيثين، مجيب المضطرين، أرحم الراحمين، فلفظ الاستغاثة يستعمل في مخ العبادة، وما لا يقدر عليه إلا الله عالم الغيب والشهادة، فكره صلى الله عليه وسلم إطلاقه عليه فيما يستطيعه، ويقدر عليه، حماية لجناب التوحيد، وسداً لذريعة الشرك، وإن كان يجوز إطلاقه فيما يقدر عليه المخلوق، فحماية جناب التوحيد من مقاصد الرسول صلى الله عليه وسلم، ومن قواعد هذه الشريعة المطهرة، فأين هذا من قوله: {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} [الأنفال: 17] ، فإن الرمي المنفي عن الرسول صلى الله عليه وسلم إيصال التراب إلى أعينهم كلهم، لأن هذا لا يقدر عليه إلا الله، وأما نفس الرمي المثبت من رميه صلى الله عليه وسلم فقد قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم قبضة من التراب والحصا، ورمى به قِبلهم حقيقة لا مجازاً.
وهذا من خصائص الرسول صلى الله عليه وسلم لا يكون لأحد بعده،