حِين قدم الْقَاهِرَة صَحبه نائبها سودون أضيف إِلَيْهِ قَضَاؤُهَا عوضا عَن الشهَاب بن المحمره وسر شَيْخه الْعَلَاء البُخَارِيّ بولايته مَعَ شدَّة نفرته مِمَّن كَانَ يَلِي الْقَضَاء)

وَنَحْوه من جماعته حَتَّى قَالَ وَكَانَ بِالشَّام إِذْ ذَاك: الْآن أَمن النَّاس على أَمْوَالهم وأنفسهم وَلم يلبث أَن أُعِيد لكتابة سر الْقَاهِرَة فدام سِنِين ثمَّ صرف وَرجع إِلَى الشَّام على قَضَائِهِ عوضا عَن السراج الْحِمصِي وخطب بجامعه الْأمَوِي ثمَّ أُعِيد فِي أول سلطنة الظَّاهِر إِلَى كِتَابَة سر الْقَاهِرَة وَاسْتمرّ حَتَّى مَاتَ سوى مَا كَانَ يتخللها من الْأَيَّام الَّتِي كَانَ ينْفَصل فِيهَا ثمَّ يُعَاد، وأضيف إِلَيْهِ فِي أثْنَاء ذَلِك قَضَاء دمياط عوضا عَن الولوي بن قَاسم ثمَّ رغب عَنهُ وحمدت سيرته فِي مباشراته كلهَا، وَكَانَ إِمَامًا عَالما ذكيا عَاقِلا رَئِيسا سَاكِنا كَرِيمًا سيوسا صبورا حسن الْخلق والخلق وَالْعشرَة متواضعا محبا فِي الْفُضَلَاء وَذَوي الْفُنُون مكرما لَهُم إِلَى الْغَايَة لَا سِيمَا الغرباء حَتَّى صَار محطا لرحالهم رَاغِبًا فِي اقتناء الْكتب النفيسة غي مستكثر لما يبذله فِي تَحْصِيلهَا عجبا فِي ذَلِك سَمحا بالعارية جدا ممدحا امتدحه الفحول من الشُّعَرَاء وخاطبه القَاضِي نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن عُثْمَان الجيتي الْحَنَفِيّ بقوله:

(ديني تكمل مذ جعلتم قِبْلَتِي ... وسجدت فِي أعتابكم بجبيني)

(وغدوت مفتخرا بكم بَين الورى ... مَا الْفَخر إِلَّا فِي كَمَال الدّين)

كل ذَلِك مَعَ الشهامة وَالْكَرم وَالْإِحْسَان إِلَى الطّلبَة ومحبتهم وضمهم إِلَيْهِ بِحَيْثُ يجْرِي على كثير مِنْهُم المرتبات الشهرية والسنوية وَلما ارْتَفع سعر الغلال فِي بعض السنين حسن لَهُ بعض جماعته أَن يصرف للمرتب لَهُم فِي الْبر دَرَاهِم فقبحه وَقَالَ نعطيهم الْبر فِي حَال كَونه تُرَابا ثمَّ نعطيهم التُّرَاب فِي حَال كَونه ذَهَبا أَو نَحْو هَذَا، كل ذَلِك مَعَ مَا يُضَاف إِلَه من حسن البشاشة وحلاوة الْكَلَام وظرف الشكالة ولطافة الشَّمَائِل وَكَونه هينا لينًا ألوفا سريع الانقياد إِلَى الْخَيْر مهذب الْعشْرَة لَيْسَ فِيهِ أَذَى لأحد من خلق الله حَتَّى وَلَا لمن يُؤْذِيه كم مِمَّن أكل مَاله وأغضى عَنهُ بل وَرُبمَا أحسن إِلَيْهِ بعد، نعم إِذا تحقق من أحد العناد وَقصد المغالبة غضب غضب الْحَلِيم وأذاقه من أَنْوَاع الشدائد الْعَذَاب الْأَلِيم، مَعَ الحشمة والمجاملة وَعدم الإفحاش فِي الْمُعَامَلَة وَهُوَ منطبع فِي غَالب الْعُلُوم لَا سِيمَا فنون الْأَدَب والنحو والمعاني وَالْبَيَان وَالْعرُوض وَغَيرهَا رائق الشّعْر فائق النثر ذواق للمعاني الدقيقة كثير الاستحضار للمقاطيع والمطولات والموشحات وَغير ذَلِك جدا وهزلا حسن المذاكرة فكه المحاضرة عجب لمن يتأمله فَإِنَّهُ يرَاهُ فِي غَايَة السّكُون بِحَيْثُ يقْضِي عَلَيْهِ بالجمود وذهنه كالنار المضرمة وَبِالْجُمْلَةِ فَهُوَ عريق الْأَصَالَة ضخم الرياسة عَظِيم الْآبَاء كريم الأجداد عين الرؤساء

طور بواسطة نورين ميديا © 2015