الْحَنَفِيّ وَلَقي بهَا وبغيرها جمَاعَة آخَرين فَكَانَ مِمَّن لقِيه بهرموز النُّور أَبَا الْفتُوح الطاوسي، وَأكْثر من السياحة فِيمَا بَين مَكَّة وَالْمَدينَة والديار المصرية وبلاد الْعَجم وزار بَيت الْمُقَدّس غير مرّة وبلد الْخَلِيل، وتكرر قدومه الْقَاهِرَة وَنزل فِي غير مرّة مِنْهَا بخلوة الْبَهَاء بن خَلِيل من سطح جَامع الْحَاكِم وَتكلم مَعَ رَئِيس المؤذنين بِهِ بل وبجامع الْأَزْهَر فِي التَّحَرُّز فِي وَقت الْأَذَان لَا سِيمَا الْمغرب وَضَاقَتْ صُدُورهمْ بِسَبَب ذَلِك وَتَكَلَّمُوا فِيهِ بِمَا لَا يَلِيق وَكثر تردد عُظَمَاء المملكة)
وأعيانها إِلَيْهِ وخطبه كل من الْأَشْرَف أينال وَالظَّاهِر خشقدم للقيه فَاجْتمع بهما ووعظهما، واشتدت نفرته من البقاعي بِحَيْثُ ظهر لَهُ ذَلِك مِنْهُ وَأخذ عَنهُ بعض الْفُضَلَاء وَالْتمس مِنْهُ الْمَنَاوِيّ الْكِتَابَة فِي مسئلة الطَّلَاق الْوَاقِعَة فِي أول أَيَّام المكيني ليستظهر بِهِ فَمَا وَافق على الْكِتَابَة وَاقْتصر على اللَّفْظ مَعَ إهداء الْمَنَاوِيّ لَهُ مَا كتبه على مُخْتَصر الْمُزنِيّ وَهُوَ فِي نَحْو ثَلَاث مجلدات ورام جَانِبك الجداوي مناكدته وَكَذَا جَوْهَر الساقي فَأَخذهُمَا الله وَظهر فيهمَا مصداق قَول عَمه عَنهُ أَنه الترياق المجرب مَا تعرض لَهُ أحد فأفلح وَكَذَا من كراماته عدم تمكن من كَانَ قِيَامه فِي هدم الْكَنِيسَة الْحَادِثَة بالقدس على غير وفْق غَرَضه من التَّعَرُّض لَهُ بمكروه مَعَ تحركه لذَلِك وَخَوف أحبابه عَلَيْهِ من وُقُوع شَيْء لَا سِيمَا والْعَلَاء يَبْدُو مِنْهُ فِي حَقهم من الْكَلِمَات النهايات. وَبِالْجُمْلَةِ فَهُوَ إِمَام عَلامَة أوقاته مستغرقة فِي الْعِبَادَة مديم الصّيام وَالْقِيَام والحرص على الأوراد وابتاع السّنة وَعدم التبسط فِي المأكل وَنَحْوهَا على طَرِيق السّلف رَاغِب فِي الْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر لَا يهاب فِي الصدع بذلك أحدا وَلَو عظم غير منفك عَن قيام اللَّيْل حَتَّى فِي السّفر شَدِيد الرَّغْبَة فِي كتب الحَدِيث وَضبط أَلْفَاظه وَأَسْمَاء رِجَاله حَتَّى كثر التماسه مني لتَحْصِيل مَا صنفته أَو جمعته بل التمس معي تَخْرِيج أربعي الصُّوفِيَّة للسلمي والعادلين لأبي نعيم وَغير ذَلِك مِمَّا يحْتَاج إلهي وَكَانَ لَا يقدم عَليّ أحدا. وَقد جمع تصانيف مقَامه أَعلَى مِنْهَا ونظم المقبول وَغَيره وبينت من ذَلِك كُله فِي معجمي أَشْيَاء وَلم يزل على جلالته ومجاهدته فِي الْعِبَادَة واقتفاء السّنة حَتَّى مَاتَ بِمَكَّة فِي آخر لَيْلَة السبت رَابِع عشر جُمَادَى الأولى سنة ثَمَانِينَ وَصلي عَلَيْهِ من الْغَد وَدفن عِنْد أَبِيه وَعَمه وَكَانَ قد تهَيَّأ قبل بأشهر إِلَى بِلَاده وسافر من مَكَّة لجدة وأشحن أمتعته بِبَعْض المراكب بل وَنزل هُوَ الْمركب أَيْضا وَمَا بَقِي إِلَّا السّفر فِي تِلْكَ اللَّيْلَة فَبَدَا لَهُ تَركه وطلع بِنَفسِهِ وبأمتعته فَلم يلبث أَن توعك حَتَّى مَاتَ وَكَانَت الْخيرَة فِي ترك سَفَره وعد ذَلِك من كراماته رَحمَه الله وإيانا.