وَلَيْسَ الْمخبر عَن الْمُشَاهدَة كالمخبر عَن المعاينة وَلِهَذَا نجد كَلَامه فِي الْقلب اثْبتْ من كَلَام غَيره لم أر أعظم تحريكا للهمم من حَاله وَلَا أَشد فعلا للقلوب من مقاله سَماع درس وَاحِد من تَقْرِيره أَكثر نفعا من سَماع مائَة من غَيره هَيْئَة لعمري لَا يحاط بكنهها وَهُوَ آيَة أبرزه الله فِي هَذَا الْعَصْر للعباد فَمن قبلهَا يُرْجَى لَهُ بركتها وَمن أَبَاهَا خشِي عَلَيْهِ معاجلة الْعقُوبَة لَا يشبه كَلَامه فِي جزالته وجلالته إِلَّا كَلَام الْعَرَب العرباء وَلَا يضاهيه فِي طلاقته ورصانته سوى فحول الألباء على أَنه محشو من دَقِيق الْمعَانِي بِمَا يمْنَع لعمري من التصنع ويشغل عَن التَّكَلُّف بل تِلْكَ مِنْهُ سجية غير محتاجة إِلَى روية وهمة علية مَا جنحت قطّ فِي التَّحْصِيل لدنية:
(صِفَات يغار الْبَدْر مِنْهَا وينثني ... لَهَا خضعانا رُءُوس المنابر)
لكنه مخل الْمُرُوءَة كثير الترفع على أَصْحَابه سِيمَا فِي الْمَلأ عَظِيم التهاون بهم عديم النَّفْع لَهُم لين الْجَانِب لمخالفيه غير بعيد من نفعهم وَهُوَ يستر هَذِه النقائص ببعد غوره غَايَة السّتْر فَلَا يذوقها مِنْهُ إِلَّا النحرير فِي أَوْقَات الغفلات فَإِذا ظهر لَهُ مِنْهَا شَيْء انتهك الْبَاقِي فَهُوَ لعمري أعجوبة الزَّمَان حفظا وفهما وتوقدا وذكاء وعلما وخبثا ومكرا ودهاء وتواضعا وكبرا قَالَ وَمن عجائب حَظه أَنه تحبب لشَيْخِنَا ابْن حجر بأنواع التحبب وَأَتَاهُ لبيته فَلم ير مِنْهُ إنصافا وَظن أَن الإشاعات بفضائله مغالاة أَو غلط مِمَّن لَا نباهة لَهُ فَترفع حِينَئِذٍ عَن التَّرَدُّد إِلَيْهِ مَعَ توقع أَن يرَاهُ فِي بيُوت بعض الأكابر فيريه من أنظاره ودقة فكره مَا يتبع فكره وَيعْلي عِنْده قدره بِحَيْثُ كنت أَظن أَن ذَلِك يُفْضِي مَعَ توقع أَن يرَاهُ فِي بيُوت بعض الأكابر فيريه من أنظاره ودقة فكره مَا يتبع فكره وَيعْلي عِنْده قدره بِحَيْثُ كنت أَظن أَن ذَلِك يُفْضِي إِلَى ذد المُرَاد من غيظ وتعاد)
وَاجْتَهَدت من الْجَانِبَيْنِ فِي الِاجْتِمَاع على وَجه جميل فَلم أستطع فَأَرَادَ الله أَن مرض ابْن حجر بأمراض مِنْهَا ضيق النَّفس فِي نَحْو نصف ذِي الْقعدَة سنة اثْنَتَيْنِ وَخمسين وَطَالَ مَرضه فَذكره لَهُ الْكَمَال والشرف بن الْعَطَّار وَأَنه يتَعَيَّن أَن ينظره ليشخص مَرضه وَينظر علاجه فَإِنَّهُ فِي الطِّبّ وَاحِد عصره وفريد دهره وَكَانَ قد تكَرر على سَمعه من معارفه وعظمته عِنْد الأكابر وعقله وسياسته وثباته ورزانته مَا قرر عِنْده أمره وملأ صَدره حَتَّى اشْتهى أَن يرَاهُ وَلَو نظرة فَطَلَبه مِنْهُمَا وألح عَلَيْهِمَا فَكَلمَاهُ فِي ذَلِك فَامْتنعَ لكراهته أَن يشْتَهر بطب وَلما تقدم من عدم إنصافه فَلم يَزَالَا يتلطفان بِهِ ويترفقان إِلَى أَن أجَاب فعاده فِي يَوْم الْأَحَد منتصف ذِي الْحجَّة وَهُوَ فِي أَشد الْمَرَض فابتهج بِهِ ابتهاجا كثيرا وعظمه تَعْظِيمًا كَبِيرا ثمَّ نقل عَن ابْن الْهمام أَنه قَالَ: هَذَا الرجل لَا ينْتَفع بِكَلَامِهِ وَلَا يَنْبَغِي أَن يحضر دروسه إِلَّا حذاق الْعلمَاء وَسُئِلَ عَن النِّسْبَة بَينه وَبَين أبي الْقسم النويري فَقَالَ جهد أبي الْقسم أَن