ملازمته لَا سِيمَا فِي رَمَضَان غَالِبا. وَلم يزل يدأب على الِاشْتِغَال حَتَّى أذن لَهُ الْجمال الأقفهسي فِي التدريس والإفتاء بِمَا يرَاهُ مسطورا لأهل الْمَذْهَب وَذَلِكَ فِي سنة تسع وَثَمَانمِائَة وناب فِيهَا فِي الْقَضَاء بسنباط وَغَيرهَا عَن الْجلَال البُلْقِينِيّ ثمَّ بِالْقَاهِرَةِ عَن قَاضِي مذْهبه الشَّمْس الْمدنِي وَاسْتمرّ يَنُوب لمن بعدهمَا، وَحج فِي سنة تسع عشرَة مَعَ شَيْخه الأقفهسي وَجَرت لَهُ محنة بِسَبَب أبي زَوجته الصَّدْر بن العجمي فَإِنَّهُ لما فقد وَأشيع أَنه وصل كِتَابه وقرأه صَاحب التَّرْجَمَة وَذَلِكَ فِي أَوَاخِر رَجَب سنة ثَلَاث وَعشْرين طلب وَسُئِلَ فاعترف بِقِرَاءَة الْكتاب فالتمس مِنْهُ إِحْضَاره فَذكر أَنه رَمَاه فِي الْبِئْر فَغَضب السُّلْطَان مِنْهُ وأهانه بِالضَّرْبِ تَحت رجلَيْهِ ثمَّ اعتقل فِي البرج أَيَّامًا إِلَى أَن شفع فِيهِ الشهَاب التلمساني وَعين لقَضَاء الْقَاهِرَة غير مرّة فَلم يتم إِلَّا بعد وَفَاة الْبَدْر بن التنسي فباشره بعفة ونزاهة وتواضع وَأَمَانَة، وَاسْتمرّ حَتَّى مَاتَ غير أَنه انْفَصل فِي رَجَب من سنة سِتّ وَخمسين ثمَّ أُعِيد بعد يَوْمَيْنِ وَلما التمس مِنْهُ البقاعي الحكم بِصِحَّة الْتِزَام مطلقته ابْنة النُّور البوشي وَهُوَ أَنه مَتى تحركت لطلب وَلَدهَا الْمُرْضع مِنْهُ أَو التمست نظره كَانَ عَلَيْهَا خَمْسمِائَة دِينَار أَو نَحْو ذَلِك صمم على الِامْتِنَاع لعلمه بقوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من فرق بَين وَالِدَة وَوَلدهَا فرق الله بَينه وَبَين أحبته فَحَمدَ الْمُسلمُونَ وَلَو من فِي قلبه أدنى رَحْمَة امْتنَاع القَاضِي وَأخذ الْغَرِيم من ثمَّ فِي إِطْلَاق لِسَانه وقلمه جَريا على عوائده فِيمَن يُخَالِفهُ من مقاصده وَكَذَا أحضروا إِلَى بَابه أَبَا الْخَيْر بن النّحاس فِي أَيَّام محنته وَادّعى عَلَيْهِ عِنْد بعض نوابه فصمم فِي شَأْنه وَلم يُمكن من قَتله وَلَكِن بِبَابِهِ عزّر الشَّمْس الديسطي الْمَالِكِي وَبَالغ ابْن الرهو فِي أمره، وَقد حدث ودرس وَأفْتى سمع مِنْهُ الْفُضَلَاء أخذت عَنهُ أَشْيَاء وَكَانَ فَقِيها فَاضلا)
مستمرا لحفظ الْمُوَطَّأ إِلَى آخر وَقت، متواضعا خيرا لين الْجَانِب متوددا بالْكلَام وَنَحْوه متثبتا فِي الدِّمَاء لَا يزَال متوعكا كثير الرمد مَعَ مزِيد التقلل وَوُجُود من يكلفه وَقد رَأَيْته بعد مَوته بِمدَّة فِي الْمَنَام وَلَا وجع بِعَيْنيهِ فِي مَنَام حسن أثْبته فِي مَوضِع آخر، وَهُوَ من قدماء أَصْحَاب الْجد أبي الْأُم. وَله نظم حسن فَمِنْهُ من أول قصيدة عَملهَا حِين حج:
(يَا حجرَة الْمُخْتَار خير الورى ... مُحَمَّد الْهَادِي سَوَاء السَّبِيل)
(لَعَلَّ قبل الْمَوْت أَنِّي أرى ... ضريحه السَّامِي وأشفي الغليل)
مَاتَ فِي يَوْم الْخَمِيس تَاسِع رَجَب سنة إِحْدَى وَسِتِّينَ وَصلى عَلَيْهِ من الْغَد تجاه مصلى بَاب النَّصْر وَدفن بتربة بني العجمي أصهاره وَمَا وَافق أَوْلَاده للمبادرة بتجهيزه رَحمَه الله وإيانا.