وَأما هَذَا فلمفارقته وَطنه وَلَكِن كَانَ بِالْقَاهِرَةِ على هَيْئَة جميلَة إِلَى الْغَايَة رتب لَهُ على الذَّخِيرَة كل يَوْم دِينَار سوى مَا يصله من الْأُمَرَاء)
كالخمسمائة دِينَار دفْعَة بل الْألف فضلا عَن دون ذَلِك خُصُوصا الْأَمِير جانم الاشرفي فَإِنَّهُ كَانَ فِي قَبْضَة يَده حَتَّى أَنه سَافر الشَّام حِين كَانَ نائبها فأنعم عَلَيْهِ بِمَا يفوق الْوَصْف وَأَنْشَأَ برسمه الْأَمِير أزبك الظَّاهِرِيّ خلْوَة هائلة بسطح جَامع الْأَزْهَر ورام بعض المجاورين الْمُعَارضَة فِيهَا لما حصل من التَّعَدِّي فماتم وَلَكِن قد أزيلت بعد ذَلِك، وَكثر تردد غير وَاحِد من مقدمي الألوف فَمن دونهم من الْأُمَرَاء والخدم سِيمَا مقدم المماليك مِثْقَال بل وَسَائِر النَّاس من كبار المباشرين وَالْأَئِمَّة من الْعلمَاء وَالْفُقَهَاء والفضلاء والصوفية إِلَى بَابه وَهُوَ لَا يَنْفَكّ عَن وَضعه بَين يَدي كل مِنْهُم مَا يَلِيق بِهِ من أكل وحلوى وَنَحْو ذَلِك وَلم يكن صَنِيعه هَذَا مُخْتَصًّا بِالْقَاهِرَةِ بل كَذَا فِي غَيرهَا كمكة حَتَّى أَنه أضَاف بهَا الْأَمِير تمربغا الظَّاهِرِيّ حِين كَانَ مُقيما هُنَاكَ بنواحي منى فتكلف على ذَلِك وتوابعه فِيمَا بَلغنِي مَا أهاب النُّطْق بِهِ وَزَاد فِي الْإِحْسَان إِلَيْهِ حَسْبَمَا كَانَ الْأَمِير يذكرهُ ويعترف من أَجله بالتقصير فِي حَقه، وَكَذَا كَانَ ابْن الْهمام يذكر مزِيد خدمته لَهُ، إِلَى غير ذَلِك مِمَّا لَا ينْحَصر وَعقد مجْلِس الْوَعْظ ببلدة ثمَّ بِجَامِع الْأَزْهَر فأدهش الْعَامَّة بِكَثْرَة محفوظه وطلاقته وفصاحته غير أَنه لم يكن يتحَرَّى فِي عزو الْمَنْقُول وَرُبمَا خَاضَ الْأَعْدَاء فِي ذَلِك وتعدوا إِلَى عدم الضَّبْط مُطلقًا وَكَانَ الْكِبَار يحْضرُون عِنْده فِيهِ، وَكَذَا عقد مَجْلِسا للتذكير بمنزله فِي كل لَيْلَة ثلاثاء وَكثر اجْتِمَاع الغوغاء فَمن فَوْقهم فِيهِ وَكنت مِمَّن حضر عِنْده فِي كليهمَا وَكَذَا حضرت عِنْده فِي غَيرهمَا وَكَانَ يظْهر من التودد لي مَالا أنهض لضبطه بل وأستحى من مبالغته معي فِي مزِيد التَّوَاضُع لكَونه لم يكن يتحاشى عَن تَقْبِيل الْيَد فِي الْمَلأ، هَذَا مَعَ مزِيد شهامته وارتفاع مكانته وجلالته غير أَن ذَلِك كَانَ دأبه وديدنه مَعَ الْعلمَاء والفضلاء وَالصَّالِحِينَ وَرُبمَا أفرط بِهِ مزِيد الأعتقاد إِلَى غَايَة لم أكن أرضاها لَهُ، وَكَانَ يقدمني فِي الحَدِيث على غَيْرِي وَحصل جملَة من تصانيفي وَقَرَأَ بَعْضهَا من لَفظه بحضرتي ويراسلني بِخَطِّهِ بالأسئلة عَن كل مَا يشكل عَلَيْهِ وَيحلف أنني عِنْده فِي الْمحبَّة كاخيه أبي الْقسم وانه لَا يحبك الا مُؤمن وَلَا يغضبك إِلَّا مُنَافِق إِلَى غير ذَلِك مِمَّا يَكْتَفِي مِنْهُ بِبَعْضِه جوزي خيرا، واقتنى من نفائس الْكتب ونفيس الثِّيَاب والاثاث شَيْئا كثيرا وَتزَوج ابْنة ابْن الخازن فَكَانَت تبالغ فِي التأنق لَهُ فِي اصطناع الْأَطْعِمَة وَنَحْوهَا لمن يرد عَلَيْهِ وقطعها أوقاتا طيبَة يغبط بهَا، وزار بَيت الْمُقَدّس غير مرّة وَكَذَا وَدخل الشَّام وَغَيرهَا وَمَا حل بِبَلَد إِلَّا وعظمه أَهلهَا، وَحدث وَوعظ ودرس وَأفْتى وَجمع مجَالِس