لمَكَّة رأى فِي الْمَنَام سِرَاجًا خرج من منزله ثمَّ رَجَعَ إِلَيْهِ فَحَمدَ الله لكَونه كَانَ السرج وَأَن حصل فِي مَكَّة وَالْمَدينَة علوما جمة وكتبا مفيدة وَأخذ مَشَايِخ الْحَرَمَيْنِ وَهُوَ على الإفادة والإستفادة وَقَالَ غَيره: الإِمَام الْمُحَقق المدقق الْحَافِظ انْتَهَت إِلَيْهِ رياسة الحَدِيث فِي الْيمن وَكَذَلِكَ رياسة الْفَتْوَى بتعز بعد موت قَاسم الدمني المتوفي فِي سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ، وَلما وصل ابْن الْجَزرِي عرف لَهُ فَضله وَقدمه على غَيره، وَهُوَ فِي عُقُود المقريزي وَوَصفه بالمحدث الْمُفِيد الضَّابِط وَأَنه تفقه بالجمال العوادي وَاسْتولى على فَوَائِد شيخة الْجمال بن مُوسَى المراكشي وَهِي جمة زثيرة النَّفْع فاستعان بهَا على مَا هُوَ بصدده واشتهر لذَلِك بالمعرفة التَّامَّة.
مُحَمَّد بن أبي بكر بن مُحَمَّد بن عُثْمَان بن أَحْمد بن عمر بن سَلامَة الْبَدْر المارديني ثمَّ الْحلَبِي الْحَنَفِيّ عَالم حلب واخو حسن الْمَاضِي، ويختصر من نسبه فَيُقَال ابْن أبي بكر بن سَلامَة وَمرَّة ابْن أبي بكر بن مُحَمَّد بن سَلامَة. ولد فِي سنة ثَمَان وَخمسين وَسَبْعمائة. وَقَالَ شَيخنَا إِنَّه أخبرهُ أَنه فِي سنة خمس وَخمسين. ونشا ببلاده وَكَانَ أَبوهُ فِيمَا أخبر عَالما مفننا يتكسب من عمل يَده فِي التِّجَارَة فحفظ ابْنه عدَّة مختصرات وَلَقي أكَابِر فَأخذ عَنْهُم كسريجا والحسام بن شرف التبريزي وَأحمد الجندي وَآخَرين فقد قَرَأت بِخَطِّهِ: وشيوخي كَثِيرُونَ، إِلَى أَن مهر وَظَهَرت فضائله بِحَيْثُ شغل الطّلبَة ثمَّ تنافر مَعَ قَاضِي ماردين الصَّدْر أبي)
الطَّاهِر السَّمرقَنْدِي بعد صحبته مَعَه فارتحل قبل الْفِتْنَة التمرية إِلَى حلب واختص بِأبي الْوَلِيد بن الشّحْنَة ولازمه حَتَّى أَخذ عَنهُ جانبا من الْكَشَّاف وَغَيره ثمَّ رَجَعَ إِلَى بِلَاده وتكرر قدومه لحلب إِلَى أَن قطنها من سنة عشر وَثَمَانمِائَة وتنزل فِي عدَّة مدارس بل درس بالجاولية وَبهَا كَانَ سكنه وبالحدادية، وتصدى للإقراء فَانْتَفع بِهِ الْفُضَلَاء، وَكَانَ كَمَا قَالَه ابْن خطيب الناصرية فَقِيها فَاضلا مستحضرا لمحفوظاته فِي الْعُلُوم لكنه كَانَ يكثر الوقيعة فِي النَّاس واغتيابهم وَرُبمَا يمقت لأجل ذَلِك. وَقَالَ غَيره إِنَّه كَانَ إِمَامًا عَالما عَلامَة أديبا بارعا مفننا حَامِل لِوَاء مَذْهَب الْحَنَفِيَّة بحلب من غير مُنَازع مَعَ الْقدَم الراسخ فِي بَقِيَّة الْعُلُوم وَالنّظم الرَّائِق والنثر الْفَائِق وَالْقُدْرَة الزَّائِدَة على التَّعْبِير عَمَّا فِي نَفسه، وَقد أعْطى شَيخنَا بعض تصانيفه ليقرظها لَهُ عِنْد حُلُوله بحلب فعاجله التَّوَجُّه إِلَى أمد فَأرْسل إِلَيْهِ بقصيدة وَافق وصولها لَهُ يَوْم رحيله من البيرة إِلَى حلب وأجابه عَنْهَا حَسْبَمَا أثبتهما فِي الْجَوَاهِر. وَذكره فِي إنبائه وَقَالَ أَنه لما غلب قرايللك على ماردين نَقله إِلَى أمد فَأَقَامَ بهَا مُدَّة ثمَّ أفرج عَنهُ فَرجع إِلَى حلب قَالَ وَحصل لَهُ فالج قبل مَوته بِنَحْوِ عشر سِنِين فَانْقَطع ثمَّ