فِي كراسة والكنوز أَو الْحُصُون الْمعدة الواقية من كل شدَّة فِي عمل الْيَوْم وَاللَّيْلَة قَالَ أَنه جمع فِيهِ قَرِيبا من سِتّمائَة حَدِيث مِنْهَا الْأَحَادِيث الْوَارِدَة فِي اسْم الله الْأَعْظَم والأدعية الْمُطلقَة المأثورة قَالَ أَنه جمع مِنْهَا فَوق مائَة حَدِيث والمنهل العذب الغزير فِي مولد الْهَادِي البشير النذير وأعانه على تصانيفه فِي الْمَذْهَب مَا اجْتمع عِنْده من الْكتب مِمَّا لَعَلَّه انْفَرد بِهِ ملكا ووقفا. وَكَانَ فَقِيها حَافِظًا لفروع الْمَذْهَب مشاركا فِي الْأُصُول بارعا فِي الْكِتَابَة بِالنِّسْبَةِ لغَيْرهَا مُتَأَخِّرًا فِي المناظرة والمباحثة ووفور الذكاء والتفنن عَن رَفِيقه الجراعي مديما للاشتغال والإشغال مَذْكُورا بتعفف وورع وإيثار فِي الأحيان للطلبة متنزها عَن الدُّخُول فِي كثير من القضايا بل بِمَا يروم التّرْك أصلا فَلَا يُمكنهُ القَاضِي متواضعا مصنفا لَا يأنف مِمَّن يبين لَهُ الصَّوَاب كَمَا بسطته فِي مَحل آخر وَقد تزحزح)
عَن بَلَده قَاصِدا الديار المصرية إِجَابَة لمن حسنه لَهُ إِمَّا ليَكُون قَاضِيا أَو مناكدا للْقَاضِي فِي الْجُمْلَة أَو لنشر الْمَذْهَب وإحيائه فعاق عَنهُ الْمَقْدُور فَإِنَّهُ حصل لَهُ مرض وَهُوَ بجب يُوسُف وعرج من جله إِلَى صفد فتعلل بهَا يَسِيرا وَعَاد إِلَى بَلَده فنصل مِنْهُ وَأعْرض حِينَئِذٍ عَن النِّيَابَة بِالْكُلِّيَّةِ وَذَلِكَ قبل موت الْبُرْهَان بن مُفْلِح بِيَسِير إِمَّا لتَعلق أمله بأرفع مِنْهَا أَو لغير ذَلِك وعَلى كل حَال فقد اسْتعْمل بعد مَوته مِمَّن لَعَلَّه فهم عَنهُ رَغْبَة حَتَّى كتب بالثناء على النَّجْم ولد الْبُرْهَان بِحَيْثُ اسْتَقر بعد أَبِيه وَلَعَلَّ قَصده كَانَ صَالحا. وعَلى كل حَال فقد حَاز رياسة الْمَذْهَب وراج فِيهِ أمره مديدة وَذكر بالانفراد خُصُوصا بعد موت الجراعي ثمَّ القَاضِي وَاسْتمرّ على ذَلِك حَتَّى مَاتَ فِي جُمَادَى الأولى سنة خمس وَثَمَانِينَ بالصالحية وَدفن بالروضة رَحمَه الله وإيانا.
عَليّ بن سُلَيْمَان بن أَحْمد نور لدين الحوشي الفوي الشَّافِعِي وَيعرف بالحوشي. ولد فِي سنة تسع عشرَة وَثَمَانمِائَة بفوة وَنَشَأ بهَا فحفظ الْقُرْآن عِنْد الشهَاب المتيحي بل وتلاه عَلَيْهِ النافع وَابْن كثير وَأبي عمر ثمَّ بعضه لنافع على الْبُرْهَان الكركي وَحفظ بعض الْحَاوِي والرائية وَنَحْو نصف الشاطبية وَجَمِيع الرحبية وتفقه بالمتيحي الْمَذْكُور وبالبدر بن الْخلال، واشتغل بِالْعَرَبِيَّةِ وَغَيرهَا وَولى إِمَامَة جَامع ابْن نصر الله بِبَلَدِهِ مُدَّة وخطب بِبَعْض الْقرى ولقيته بِبَلَدِهِ فَسمع بِقِرَاءَتِي وَأنْشد، مُخَاطبا:
(أنعشت بِالْقربِ يَا مولَايَ أَفْئِدَة ... إِذْ كَانَ مرويك العالي لَهَا سندا)
(ومذ حللت كسينا من مآثر مَا ... آثَرته حللا لم تنتزع أبدا)
(وَأصْبح الْكَوْن مفترا مباسمه ... بِسنة الْمُصْطَفى الْهَادِي لكل هدى)