من الجمال والغاية يرجع إلى الروعة الفنية بين التراكيب، والعمل على التنسيق بين الصور، وقدرتها على نقل أحاسيس الشاعر الذاتية.
فابن الرومي حينما يصور "الأخدع" إنما يتخلص في تصويره من شرور في النفس تكاد تزهقه، وفي هذا تنفيس عن شؤمه، واسترواحة مما يعانيه من الألم الممض المكبوت ثم تنفير الناس من هذا التكوين في شكل الأخدع وهيئته القبيحة، حتى يتجنبوا مهاويه ومساقطه، ولا يقترفوا أسبابه وعلله في حياتهم، وهو في صنيعه هذا يحذر الأجيال المقبلة من هذا القبح وهجر أسبابه، حتى لا تعتريهم العاهة في الكبر، فلا يكونوا محلا للسخرية والإضحاك مثل الأخدع في صورة ابن الرومي التي يقول فيها:
قصرت أخادعه وطال قذاله ... فكأنه متربص أن يصفعا
فكأنما صفعت قفاه مرة ... وأحس ثانية لها فتجمعا
وكذلك الأمر في تصوير ابن الرومي للمعنى القبيح الصوت، "أبي سليمان" فهو ينقل إلينا مشاعره بصدق إزاء صوته القبيح، ثم يحرر نفسه من هذا الألم الذي يعانيه من بشاعة الصوت، ثم الدعوة إلى أن يكون الغناء صادرًا عن مغن حسن الصوت، حتى لا يتأذى الناس منه؛ لأن في الغناء إمتاعًا وجمالًا. ولا بد أن يكون مصدره كذلك. يقول:
ومسمع -لا عدمت فرقته ... فإنها نعمة من النعم
يطاول يومي -إذا قرنت به- ... كأني صائم ولم أصم
إذا تغنى النديم ذكَّره ... أخذ السياق الحثيث بالكظم
يفتح فاه من الجهاد كما ... يفتح فاه لأعظم اللقم