أبح فيه شذوذ حشرجة ... منظومة في مقاطع النغم
نبرته غصة وهزته ... مثل نبيب التيوس في الغنم
كأنني -طول ما أشاهده- ... أشرب كأسي ممزوجة بدمي
وابن الرومي في هذا يولي اهتمامه بالصورة الأدبية، ولا يعنيه إلا التصوير وأما المضمون هنا فليس تعبيرًا مباشرًا عن إصلاح أو دعوة إلى الخير، أو تقديم منفعة للحياة، وإنما جاءت القيمة الخلقية في الصورة، من وراء ستار، وبععد إمعان ودقة نظر عن طريق الوحي والإشارة البعيدة.
ب- أنصار المضمون:
وهم في دعوتهم هذه لا يهملون الشكل والصورة، ولكن عنايتهم بها بعد المضمون في الدرجة والرتبة، فالصورة عندهم وسيلة فقط لإبراز الغاية من الأدب: وهو المحتوى والمضمون، ولو تحقق المضمون بدون اهتمام الصورة وعناية الشكل، فلا ينقص من جمال الأدب عندهم، الذي يقوم على غاية واحدة، وهي النفع والخير والفائدة.
فابن الرومي حينما يدعو إلى العفو والسماحة، إنما يريد أن يشيع المحبة والتسامح بين الناس حتى يسير ركب الحياة إلى ما هو أفضل. يقول:
أتاني مقال من أخ فاغتفرته ... وإن كان فيما دونه وجه معتب
وذكرت نفسي منه عند امتعاضها ... محسن تعفو الذنب عن كل مذنب
فيا هاربًا من سخطنا متنصلًا ... هربت إلى أنجى مفر ومهرب
فغدرك مبسوط لدينا مقدم ... وودك مقبول بأهل ومرحب
ولو بلغتني عنك أذني أقمتها ... لدى مقام الكاشح المتكذب
ولست بتقليب اللسان مصارمًا ... خليلي إذا ما القلب لم يتقلب