ثالًا: والشاعر الذي يهتم بالشكل، إنما يهرب من مطالب الحياة هروبًا صريحًا في شعره، وهو في الحقيقة باتجاهه الشكلي الخالي من التوجيه المباشر، يهرب من واقع المجتمع المر القبيح، وفي هذا الهروب ذاته سخط على أوضاع المجتمع وشروره، فهو يطالب بالتخلص منه ومن شروره عن طريق غير مباشر وبالإيحاء، وبعد هذا المركب الرمزي عند الشكلين من أخص خصائص الفن الراقي؛ لأن في الهروب والسخط على النمط السابق قيمًا أخلاقية وإصلاحًا اجتماعيًّا، وغايات نبيلة للفن الشعري1.

رابعًا: إن الشاعر حينما يعاني تجربته الذاتية، ويصورها كما هي في نفسه، من غير أن يكون لها صلة بالواقع في الظاهر، غاية اجتماعية، تفيد الغير، فإن عملية التخلص من هذه المعاناة، وإبراز التجربة في عمل فني مجسم في الخارج، تعد أكبر قيمة نفعية بها فتحرر الأديب من الألم المكبوت في نفسه، وكأنه بهذا يدعو كل الناس إلى أن يصنعوا مثل صنيعه حتى يتحرروا من شرور النفس، وهي في ذاتها غاية نبيلة في الحياة، وإن تحققت عن طريق غير مباشر وجاءت تبعًا من غير قصد في البداية.

وعلى ذلك فالشكليون يعنون بالصورة الأدبية أشد العناية، ويهتمون بأركانها وعناصرها، ويرصفون أجزاءها، ويهذبون متونها، ويحككون ويصنعون لتأخذ بمجامع القلوب وتستولي على العواطف والنفوس، ولا عليهم أن يملأ تجويفها بالمعاني اللطيفة، وتفيض مكامنها بالأفكار المنتجة النافعة، إلا إن كانت وسيلة في العمل الفني لا غاية، ولا يعنيهم أن يكون المضمون جميلًا أو قبيحًا، ما دام كل

طور بواسطة نورين ميديا © 2015