فيستوحي كل منهم صورة من صورة سابقة، أو يولد صورة من غيرها، أو يبتكر صورة من عنده، فيأخذ الشاعر اللاحق مكانه من الفضل، كما أخذ السابق في ابتداعه مكانًا، وساغ الشعراء بعد ذلك الاستيحاء والتوليد، والتأثر والاختراع.

لذلك كان أنصار اللفظ أكثر نشاطًا في الأدب، وأعظم عونًا لتفوق الشعر واتساع مملكته وأجدى نفعًا للصورة الأدبية، وللأدب بصفة عامة. وأكثرهم رعاية لتربية الأذواق، وتنمية الحواس الفنية.

وأصدق من هؤلاء تقديرًا للشعر والأدب، هم الذين يربطون المعنى واللفظ -ويهتمون بالنظم والتركيب، فهم أقرب فهمًا للصورة الأدبية بمعناه الكامل، ومغزاها الدقيق النامي، فبالنظم يأخذ الأدب مكانه، وتعود للشعر رونقه، ويكون للصورة سحرها وأثرها القوي في النفوس.

ومهد الطريق في دراسة فن النظم للإمام عبد القاهر الذي ثم على يديه، مهده كثرة من الأدباء والنقاد قبله.

منهم من أشار إشارة عابرة، ومنهم من نص وتذوق، ومنهم من طبق النظم على نصوص لانكشف عن عبقرية في باب النظم والتصوير حتى جاء الإمام عبد القاهر فحقق ما لم يحققوه واستحق لذلك الإمامة بينهم وأتى من بعده فألقى عصى التسيار عنده، وأخذ يدور ويلف حول آرائه في النظم، حتى ضل الطريق ووقع مغشيًّا عليه في ساحة الجدل والمنطق والفلسفة وسنوضح أثر أنصار النظم في الصورة الأدبية، ومدى نضوجها واكتمالها بمصادر حيويتها وقوتها وروعتها.

وأراني في هذه القمة بلغت حد التجاوز قليلًا، فإذا أطلقت على من يؤثر اللفظ "أنصار اللفظ" فهذا أولًا من باب تغليب اللفظ على المعنى عندهم وثانيًا: فهو حكم تقريبي.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015