الذي يقع التغيير فيه هو اللفظ لهذه المعاني، فقد تواضعت لكل لغة على لفظ خاص بها يختلف على اللغة الأخرى.

ب- قد يكون للمعنى الواحد ألفاظ كثيرة، يدل كل لفظ منفردًا على المعنى وتعدد الألفاظ للمعنى الواحد يدل على أن الأصل للمعنى لا للفظ، لاختلاف الألفاظ عليه، وتعاقبه فيه، ولو كانت هي الأصل لاختلفت تبعًا لاختلاف المعاني عليها كذلك.

ج- لو كانت المعاني تابعة للألفاظ لأصبح لكل معنى لفظ يدل عليه. وهذا باطل؛ لأن المعاني غير محدودة، ولا نهاية لها، ولكن الألفاظ محدودة محصورة ولا يعقل أن يكون اللانهائي تابعًا للمحدود، والعكس صحيح، وهو تبعية المحدود وهي "الألفاظ" لما نهاية له من "المعاني"؛ لأن المعاني في الأذهان، والألفاظ طارئة عليها.

والذين انتصروا للمعنى اهتموا به مجردًا غير مرتبط باللفظ غالبًا، فتؤدي عنايتهم به إلى عدم الاهتمام بالصورة الأدبية، وقلة مبالاتهم بالجودة فيها اكتفاء منهم بشرف المعنى وجودته.

وهذا الاتجاه يذهب بجمال اللغة، وروعة التصوير وقوة التعبير، فيضعف الذوق الأدبي، وتموت الحاسة الفنية، التي تدرك جمال الصياغة، وجلال الصورة فتنفق صورة الأدب، وتقفر دولة الشعر؛ لأن البراعة والابتكار يكون محدودًا في مجال المعنى، لا يبرع فيه إلا الشعراء الأوائل، أو العباقرة من الشعراء بعد ذلك، وهم واحد أو اثنان في كل عصر أو قرن.

ولكن مجال الصياغة والتصوير للمعنى، أو توليد معنى آخر منه، أوسع دائرة وأعم في صورة أخرى، وهي دائمًا موطن الابتكار، وأساس الاختراع في المعنى لذلك تتسع دولة الآداب، ويتكاثر الشعراء النابغون في كل عصر،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015