عن معاني النبل والإنسانية، ألم تبلغ الكلمة الإعجاز مع أخواتها في الآية {تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ} .
ونفس الكلمة قد وقعت في بيت للمتنبي، فلم تجد مكانها بين أخواتها في النظم فكان التناقض والانفصام في الصورة الشعرية يقول المتنبي:
تلذ له المروءة وهي تؤذي ... ومن يعشق يلذ له الغرام
فهل لكلمة "تؤذي" -وفيها ما فيها من القبيح- مكان من أخواتها في الصورة التي تدل على الجمال والحب والوفاء، وهي: "تلذ، المروءة، يعشق، يلذ، الغرام" بل البيت كله، وبها اختلت الصورة واضطرب الانسجام في البيت.
ويضرب ابن الأثير المثل لذلك في نقده للكلمة التي وقعت في آية الأحزاب وفي صورة للمتنبي فيقول: أما الآية فهي قوله تعالى: {فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللَّهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ} وأما بيت الشعر فهو كقول أبي الطيب المتنبي:
تلذ له المروءة وهي تؤذي ... ومن يعشق يلذ له الغرام
وهذا البيت من أبيات المعاني الشريفة، إلا أن لفظة "تؤذي" قد جاءت فيه وفي الآية من القرآن، فحطت من قدر البيت لضعف تركيبها، وحسن موقعها في تركيب الآية، وهذه اللفظة التي هي "تؤذي" إذا جاءت في الكلام، فينبغي أن تكون مندرجة مع ما يأتي بعدها، متعلقة به كقوله تعالى: {إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ} وقد جاءت في قول المتنبي منقطعة"1.