ثم يوضح اتجاهه في الصورة، ورأيه في النظم، ويؤيد ذلك بالأدلة القوية، والشواهد الرادعة، التي لا تبقي لمنكر بقية من اعتراض أو نفي، فيذكر الفروض للمرتاب ليتأمل الصواب فيما يقول ويحكم على نفسه بالخطأ، حينما يوجه افتراضه إلى المعترض قائلًا له: لو أخذت لفظة من مكانها في الآية السابقة، فإننا لا نرى لها بمفردها من الحسن ما لها وهي في موضعها بين أخواتها، إذ لو كان لها هذا الحسن مفردة، لأصبحت كل لفظة صورة أدبية للمعنى، وهذا مما يأباه العقل السليم، والحس الصادق، ويثني بدليل آخر، وهو أن اللفظة الواحدة، قد تروق في صورة ولا تحسن في صورة أخرى وهو في هذا متبع للإمام عبد القاهر الناقد العربي الكبير يقول ابن الأثير:

"فإن ارتبت في ذلك فتأمل هل ترى لفظة منها لو أخذت من مكانها، وأفردت من بين أخواتها، كانت لابسة من الحسن ما لبسته في موضعها من الآية؟ ومما يشهد لذلك ويؤيده، أنك ترى اللفظة تروقك في كلام، ثم تراها في كلام آخر فتكرهها1".

وذلك مثل كلمة "تؤذي" في آية الأحزاب، فقد حسن موقعها منها، وأخذت مكانها في نظم القرآن، وفيها من التناسب والتلاؤم والترابط والانسجام ما يرتفع بالآية إلى درجة الإعجاز، كالشأن في القرآن الكريم كله، فتعلقت الكلمة بأخواتها وامتزج معناها بمعاني أخواتها، فتلاقت مع الشرط في: {إِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا} وفي الشرط تقييد، ولا يخفى ما فيه من إيذاء إيجابًا وسلبًا ومع النفي في قوله تعالى: {وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ} والنفي كالشرط لما فيه من الترك والإهانة كذلك الاستحياء ومن لا يستحيي من المطعمين، فهو أشد الناس إيذاء، وأبعدهم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015