ابن الأثير والصورة الأدبية:
ومن أنصار النظم ابن الأثير1 الذي يرى أن الصورة لا تكون إلا من علاقات الألفاظ بعضها ببعض، وهو دون الإمام عبد القاهر؛ لأنه أولًا متأثر به، وثانيًا لم يأت بجديد، فهو أقل منه في التناول والتفصيل والدقة والاستيعاب.
ولكن الذي دعاني إلى ذكره في مراحل نمو الصورة وأطوارها، هو ذوقه الأدبي الذي ينبغي أن يذكر هنا كما سيأتي إن شاء الله تعالى.
يرى صاحب "المثل السائر" أن الصورة الشعرية لا تكون في اللفظ وحده، ولا في المعنى وحده، بل في العلاقة بين الكلم والنظم لمعاني الألفاظ، وبه يقع التفاضل في الصورة الناتجة عن النظم، وتأخذ من الفضل على قدر درجة التنسيق في التركيب، وحسن التأليف فيه، وتلبية الكلمة لمكانها، لترجع المزية إليه لا إلى اللفظ المفرد، أو المعنى المستقبل. يقول:
"إن تفاوت التفاضل يقع في تركيب الألفاظ أكثر مما يقع في مفرداتها؛ لأن التركيب أعسر وأشق. إذا فكرت في قوله تعالى: {وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} بل تجد ما وجدته من المزية الظاهرة، إلا لأمر يرجع إلى تركيبها، وأنه لم يعرض لها هذا الحسن، إلا من حيث لاقت الأولى بالثانية والثالثة بالرابعة وكذلك إلى آخرها"2.