والنقاد العرب قطعوا شوطًا كبيرًا في توضيح مفهوم الصورة الأدبية، بعد أن مرت هي كذلك بمراحل النمو والتدرج الطبعي للأشياء، وإن اتجهت عنايتهم التامة بالصورة الجزئية، مغفلين أمر الصورة الكلية إلا نادرًا، وهذا لا يضر بمفهومها في ذاته.
ولا يصح أن نفرض مفهومًا حديثًا، ونطبقه على المفهوم القديم، لنتهمهم بالتقصير لعدم المطابقة بين المفهومين، ليس هذا بمعقول؛ لأن النقد القديم كان يمثل مرحلة تاريخية في بناء الفهم للصورة الأدبية، ولذلك كان النقاد غالبًا ما يستعملون الشعر والكلام مكان الصورة كالآمدى، أو النظم والتأليف -والصياغة كما هو الشأن عند معظمهم، حتى من فطن منهم إلى التعبير بالصورة كان يمر بها خاطفًا كالبرق، ولعل فن التصوير والرسم لم يبلغوا فيه درجة ما بلغناه في عصرنا، حتى أصبح هذا اللفظ على كل لسان حديثًا، فاستخدموه في التجارب المعملية، وفي معامل العلوم الحديثة، وكذلك يرجع الإقلال من التعامل بالصورة قديمًا، وإحلال النظم أو الصياغة إلى غير ذلك محلها، إلى حداثة الامتزاج بالأعاجم وشيوع اللحن في اللغة العربية فوجد النقاد، والأدباء أن الأنسب في مواجهة هذا التيار المشوب باللكنة والعجمة والتعبير باللفظ والمعنى والنظم والتأليف والصياغة والكلام، مما يدل بالنص والتصريح على اللغة وخصائصها؛ لأن الصورة تعبير غير مباشر، لبيان المراد في اللغة، وإن ترددت على ألسنتهم متأثرين بما ترجموه عن الأعاجم، فما زالت الصورة غير مختمرة بعقولهم ولا ممتزجة بعواطفهم، لذلك تجنبوا التعبير بها إلا قليلا، حتى تختمر وتمتزج بنفوسهم، ليعبروا بها عن أصالة وإحساس صادق وقد نبعت من حياتهم ولغتهم وأدبهم.