النفس؛ لأنها لا تعرف طريقًا إلا طريق العقل، والعقل وحده هو الذي يربط بين الصورة المحسة في المثال السابق وبين المعنى الذهني، ويرى الصلة بينهما في الجامع، فيأنس الصورة؛ لأنها تتفق مع المتردد حين يأخذ ويعطي في أمرها، كالرجل المتردد حين يقدم رجلًا ويؤخر أخرى، وحينئذ يرى العقل أيضًا أن هذا المعنى أصبح حبًّا متحركًا ولذلك يكون تأثيره في النفس أعظم من الحقيقة المكشوفة، التي يتلقفها العقل من غير روية ولطف نظر، وموازنة تجري، وصلات تعقد، ومن غير تقارب واتفاق.
هذا هو ما يفهم من الخيال عند الإمام، وهو إن كان تفسيرًا غير دقيق وشامل للخيال فهو قريب نوعًا ما من مفهوم الخيال حديثًا لأسباب هي:
أ- أنه يخالف الحقيقة بغض النظر عن التشبيه الذي قالوا عنه: إنه فرع الحقيقة لا المجاز، فيكفي فيه حسن التعليل لا المنطق.
ب- الخيال الركن الركين للشعر.
جـ- الخيال يهز العواطف ويحرك النفس.
د- أنه يتخذ مادته من المشاهدات المحسة.
هـ- أنه يبعث الحياة والحركة والمعاينة في الجامد والمعدوم والمفقود.
و أنه يحتاج في الوقوف عليه إلى دقة ولطف ونظر وروية.
ز- أنه يعقد الصلات بين الأشتات حتى تظل مقبولة في النفس.
وهذه الخصائص تمثل شوطًا لا بأس به في تحديد مفهوم الخيال وتوضيحه وبيان أثره في النفس، وهو في نفس الوقت يمثل طورًا من أطوار مفهومه التي مر بها في الأدب العربي، حتى اكتملت معالمه في العصر الحديث.