موقف الجاحظ من الصورة الأدبية:

بعد أن نشط التدوين، وراجت الكتابة، وتسابقت الأقلام، أصبح من السهل أن نقف على آراء النقاد في الصورة والشكل، وكان أول من أثار هذه القضية هو أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ1. وبعثها كنظرية نقدية، وظاهرة أدبية، وقضى فيها بما يراه لائقًا بالأدب والشعر، وما عداه مناطًا للحسن والجودة، ومرتقى للسبق والفضل والتفوق.

ووضح موقفه منها، حينما انتهى إلى سمعه أن أبا عمرو الشيباني استحسن بيتين من الشعر معناهما، مع سوء العبارة التي تصورهما، فقال الجاحظ وهو يهجم عليه: "ذهب الشيخ إلى استحسان المعنى، والمعاني مطروحة في الطريق، يعرفها العجمي والعربي، والبدوي والقروي، وإنما الشأن في إقامة الوزن، وتخير اللفظ، وسهولة المخرج وكثرة الماء، وفي صحة الطبع، وجودة السبك، فإنما الشعر صياغة، وضرب من التصوير2.

فهو يرى أن المعاني ممتدة واسعة. بعكس الألفاظ، فإنها محصورة محدودة، يقول: "المعاني مبسوطة إلى غير غاية، وممتدة إلى غير نهاية"3.

ويبين أن البلاغة والجمال، إنما يرجعان إلى اللفظ؛ لأن المعنى الشريف قد يؤدي باللفظ الرديء يقول: "ومن الدليل على أن مدار البلاغة على تحسين اللفظ أن الخطب الرائعة، والأشعار الرائقة، ما عملت لإفهام المعاني فقط؛ لأن الرديء من اللفظ، يقوم مقام الجيد منها في الأفهام"4.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015