والجاحظ في اتجاهه يفصل بين اللفظ والمعنى "وينظر إلى اللفظة والجملة"1، هذا حديث المضمون والشكل، والمحتوى والصورة، وأن المعنى قد يكون واحدًا، ولكنه يعرض في صور مشددة، وصياغات مختلفة؛ لأن الشأن في الصياغة، والشعر ضرب من التصوير، ونطاق الصياغة والتصوير ضيق صعب، لا يليه، إلا لمن وهب القدرة والموهبة، بخلاف المعنى فهو ممتد ميسور، يقع للغبي والذكي.
ويقصد الجاحظ بالصورة في حديثه الأسلوب والصياغة، وإحكام النسخ في العبارات وتخير الألفاظ والأوزان؛ لأن الحديث عنده نبع من الهجوم على أبي عمرو الشيباني نصير المعنى، ونعى عليه اتجاهه، وأقر بأن اللفظ هو مقياس الجمال وحده.
وهذا الرأي ردده كثير ممن أتى بعده من أنصار اللفظ، الذين انتصروا له وأيدوا الصورة، بينما كان هناك من اهتم بالمعنى بجوار اللفظ، وانتصر لكل على حدة، حتى جاء بعد ذلك من انتصر لهما معًا بدعوة النظم، ورأى أن الصورة إنما تكون في النظم، لا في اللفظ المفرد، ولا في المعنى المفرد.
موقف ابن قتيبة من الصورة الأدبية:
كان ابن قتيبة من أنصار المعنى الذي شايعوه، ولم يعتبروا اللفظ إلا بشرف معناه، ولم يرفعوا الشكل إلا بنبل مغزاه، فلا قيمة للصورة عندهم إلا بشرف مضمونها، ولكنهم تفاوتوا في النظرة إلى درجة الجودة في اللفظ والمعنى، فمنهم من سوى بينهما في الشرف والجودة، ومنهم من رجح المعنى على اللفظ.