ولكن إذا كان الشعر غنائيًّا فالوحدة الفنية هي أقرب إليه من الوحدة العضوية، لصعوبة بناء التجربة الشعرية عند الشاعر بناء عضويًّا كبناء الأعضاء في الجسد كما هو المفهوم، والمعروف للوحدة العضوية عند النقاد المحدثين، وفداحة الجهد الذي يبذله الناقد للتعرف على الوحدة العضوية في الشعر الغنائي.
وإنني لا أضع العقبات في تطبيق هذا المصطح النقدي الحديث "الوحدة العضوية"، ولكني أرى أن من الصعب تطبيقه الآن على القصيدة الغنائية فقط لا الموضوعية، بل نحتاج إلى مراحل مقبلة حتى تحسن التطبيق، بل نشد أيادينا جميعًا مع النقد الحديث لكي ينشدها في الشعر لتبرز معالمها، حتى تتضح حقيقتها وتنجلي عناصرها في مجال التطبيق العملي لا النظري؛ لأن النقد في تطبيقها حتى اليوم ما زال قاصرًا ودون المطلوب والغاية، ولا عجب في ذلك، فالوصول إلى الكمال ليس سهلًا، بل يحتاج إلى وقت طويل، مشحون بالرعاية والتوجه والإصرار والمتابعة وإلا تجرد النقد من المعرفة والبحث، وهوى إلى التبلد، وناصر العجز، فقد كان البيت قديمًا مستقلًّا في معناه الظاهر عما قبله وعما بعده، وقد تغيرت القصيدة اليوم فصارت تعبر عن موضوع واحد، وهو ما يسمى الآن بالوحدة الموضوعية، وهي المعبر في المستقبل للوحدة العضوية، هذه لمحة سريعة عنها، لكونها جديرة بالعناية والدراسة؛ ولأنها تتصل بمضمون الشعر، وليس المضمون أساسيًّا وابتداء في مجال الصورة، وإنما يأتي تبعًا ووحيًا ونتيجة لتناول الصورة.
ثالثًا: الشعور
تعتمد الصورة الأدبية غالبًا على صور محسوسة من الواقع. هي تمثيل حي للتجربة الشعرية في شكل العمل الفني، أي يمتلئ بالأفكار والخواطر والمشاعر والأحاسيس والعواطف الحارة، وعلى ذلك ينبغي أن يسري في كل جزئية من