الصورة شعور الشاعر في تدفق وقوة وحيوية، فكل كلملة لا بد أن تنبض بمشاعره وأحاسيسه؛ لأن التصوير كما يقول العقاد من عمل النفس المركبة من خيال وتصور وشعور، فتتحول المشاهد المحسوسة إلى حركات نفسية. وتعد الكلمات المنظورة والمسموعة خزانة مكتظة بمشاعر الأديب.
وليست العبرة بحشد الأشكال والنظائر من غير أن يربطها الشاعر بسياج متين من مشاعره الحية.
رابعًا: الإيحاء
قد يقوم الترابط التام بين أجزاء الصورة الأدبية بكشف مضمونه والتصريح به، وعرض أفكاره مباشرة، وهذه الصورة أقل تأثيرًا على النفس وأضعف إثارة لها؛ لأن العقل لم يجاهد الفكرة فيها، وفي الجهاد نشاط وحياة، وأن الفكر لم يتأن ولم يترو، وفي التأني والتروي الاستقصاء والتتبع، وفيهما اللذة والمتعة والإثارة والحياة بقدر ما يشغل تفكيره، وإحساسه من وقت وجهد.
هذا هو ما ينبغي أن يكون في الصورة الأدبية، والتي لا تنص على المضمون صراحة، ولا تكشف عنه مباشرة، بل يوحي بها من غير تصريح، ويشع عنها من غير مباشرة، وقد أجمع النقاد وعلماء البلاغة قديمًا وحديثًا على أن الإيحاء أقوى أثرًا في النفس من التصريح، وأن المعنى الذي ينتهي إلى المتلقي بعد مجاهدة النفس وكد الخاطر، وإعمال الفكر والشعور وتقلبهما على وجوههما المختلفة، تكون أمكن في النفس وأعظم أثرًا فيها، وأقوى ارتباطًا بها، فلا يغيب عنها بعد ذلك؛ لأن الشيء الذي يرد إلى النفس بسرعة. يعزب عنها على عجل، والشيء الذي تطمئن إليه بعد لأي ومشقة، لا يذهب إلا بعد هذا القدر أو أكثر.