ذلك أمر يشق على الناقد ويصعب، ومن هنا بلغ الكمال، والتمام في أي شيء؛ لأن هذا كله أمر نسبي بين النقاد.
لذلك تفاوت في المطابقة النقاد، كل حسب كفاءته، وكان الذوق الأدبي للناقد الخبير والبصير المحرب، هو عماده في الكشف عن التطابق بين الصورة والتجربة.
ثانيًا: الوحدة والانسجام التام
ويترتب على ما سبق أن تكون الصورة مكتملة تامة مستوفية الأجزاء في كل المصادر السابقة، التي تعتمد عليها من كلمة أو عبارة أو نظم أو غير ذلك مما ذكرناه في مكانه، وينبغي أن تؤدي كل كلمة -بل كل حرف- وظيفتها في الصورة الجزئية، وكذلك تؤدي الصورة الجزئية بعد استيفائها وتمامها دورها الحي، وتأخذ مكانها المرهون بها في الصورة الكلية، أو القصيدة كلها كوحدة تامة وبنية حية مستوية، والتلاؤم التام بين جزئيات الصورة الكلية وبين فكرتها العامة، والشعور الذي يسري في خلاياها، فلا تقبل معنى شاردًا، ولا خاطرة نادرة ولا يضعف في جانب ويقوى في جانب، أو يفتر في مكان ويشتد في آخر، ولا ينخفض في جزئية، ويرتفع في غيرها، بل انسجام تام بين الأفكار، وتلاؤم متصل بين المشاعر ثم تجانس محكم بين هذا كله، وبين مصادر الصورة جميعها، وقد وصفها النقاد أوصافًا متعددة وأعطوها اصطلاحات مختلفة، موزعة بين وحدة فنية أو وحدة عضوية، والأخيرة هي التي عليها جل النقاد في العصر الحديث، وإنني أرى أنهما معًا متكاملان لا تستغني القصيدة عنهما، متطابقان تمامًا إذا كان الشعر موضوعيًّا كالشعر المسرحي مثلًا، فيكون هناك تجاوب وانسجام في التطبيق على هذا اللون من الشعر الموضوعي، وحينئذ لا نجد فرقًا بين الوحدة الفنية، وبين الانسجام والتلاؤم في الوحدة العضوية وكلاهما سواء.