لفظ في موضعه الذي اقتضاه بين إخوته في تحقيق غرض الصورة ومغزاها، ثم توحي الصورة القوية البارعة، بإيحاءات تعمق هذا الغرض، وتزيده ثراء وسعة، وبناء على ذلك لو اختل الترتيب في الألفاظ وضلت مواقعها لأدت الصورة معنى آخر مختلفًا وإيحاء مغايرًا لما سبق؛ لأنها تختلف في معناها ووحيها حسب اختلاف مواقع الكلمات فيها، ولو كانت مادة الألفاظ واحدة لم تتغير من صورة إلى أخرى.

وهذا يدل على أن لغة الصورة تلزم مضمونًا معينًا، وأن المضمون والغاية فيها ترتبط بقدرة الأديب على تشكيل الصورة وتسخير أدواتها لخدمة هذه الغاية، وتوجيهها نحو المعنى الذي يريد في أقوى صورة، فالشكل والمضمون يمتزجان معًا في وحدة وترابط، بحيث لا يمكن فصل أحدهما عن الآخر، وعلى هذا فما الفرق بين الاتجاه الأخير وبين الاتجاهين السابقين، فأنصار كل منهما لا يهمل الأمرين الشكل والمضمون؛ لكنه يجعل أحدهما غاية، والآخر وسيلة؛ فالشكليون يهتمون بذات الصورة، ثم يأتي المضمون والمغزى تبعًا لذلك، وأنصار المضمون يعنون به، ويجعلونه غاية في ذاته، وتصير الصورة التي تنقله إلى الغير وسيلة -لا غاية- في إظهاره.

أما ما نحن بصدده الآن من الاتجاه الثالث، فهو يعتد بالأمرين معًا، بحيث لا يمكن الفصل بينهما، ولا تتأتى بحال التفريق بين الصورة وبين ما تحويه من معنى أو مغزى؛ لأنه يتفق وطبيعة اللغة فالألفاظ إنما وضعت لمعان تدل عليها، وقد سخرت لخدمة الناس والحياة كالشأن في الإنسان الحي، فالجسد فيه لا يستغني عن الروح، وكذلك لا تنقل الروح عن البدن فالحياة رهن امتزاجهما، وارتباطهما جميعًا فلا جسد بدون روح، ولا يعقل أن توجد روح من غير جسد،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015