وكذلك حينما يصور فصل الصبر وميزاته، وحرمة المسلمين في رثاء البصرة، وذم الحقد وتنفير الناس منه صراحة، وغير ذلك مما تهدف إليه صورته الأدبية، من غير قناع ولا ستار فيقصد ابتداء المضمون، وينشد الغاية من التصوير الأدبي.
ج- أنصار العمل الفني "الصورة والمضمون معًا":
وهؤلاء لا يهتمون بالمضمون وحده، ولا بالشكل وحده، وإنما يهتمون بالعمل الأدبي، فيحرصون على الغاية من الأدب، كما يحرصون على إظهاره في صورة خلابة وشكل جميل، يهز أعماق النفس ويحرك المشاعر والعواطف، فالعناية فيهما بدرجة واحدة، فإن كان المضمون خلاقا ونافعًا، لكنه إن ظهر في شكل رديء وصورة واهية مهلهلة، فإن كان كذلك فسيفقد أساسًا كبيرًا وعنصرًا جوهريًّا يهز النفس، ويثير المشاعر، ويوقظ الأحاسيس، وكل هذه هي مفتاح العقل وصمام الفكر؛ لأن الإنسان يقتنع بمشاعره وأحاسيسه قبل أن يقتنع بعقله وفكره، يتنقل بين الجوانب المحسة في الصورة، قبل أن تستحيل إلى أفكار مجردة تصور واقعًا جديدًا، وإصلاحًا، أو إرشادًا يمت إلى الواقع بأسباب وعلاقات.
وعلى ذلك فالعمل الفني يبعث في النفس الحياة والنشاط، ويهز النفوس ويوقظ الأذهان، ويسهم في بناء الحياة ونهضة الأمم، التي لا تنهض ولا تقوى إلا على أساسين كبيرين هما: العاطفة والعقل، ولا يستغني أحدهما عن الآخر.
وكذلك الأمر هنا لو كانت الصورة الرائعة لا تحمل مضمونًا نافعًا، فإنها تشبه شجر الخلاف تفتن بمنظرها ولكن لا نفع لها ولا ثمر، مع أن اللفظ في ذاته لا بد أن يحمل معنى تكون قيمته بقدر مشاركته في الصورة، ويسهم كل