الأمر الخامس قوله إن علماء الإسلام قد نطقوا بما نقله الألوسي عن أهل الهيئة الجديدة قبل أن يكون للكفار والمشركين علم فلك ولا نظر في النجوم.
والجواب أن يقال ليس هذا بصحيح وإنما هو في الحقيقة مكابرة وتمويه على ضعفاء البصيرة. إذ من المعلوم أن أول من تكلم في علم الهيئة والنجوم هم فلاسفة اليونان وكانوا قبل زمان المسيح بدهر طويل وكانوا مشركين يعبدون الكواكب والأصنام ولم ينقل عن أحد من سلف الأمة وأئمتها من الصحابة والتابعين وتابعيهم بإحسان أنهم تكلموا في علم الهيئة بشيء حتى عربت كتب اليونان في زمن المأمون فظهر الكلام في علم الفلك والنجوم منذ ذلك الزمان ولم يكن يعاينه ويشتغل به إلا الفلاسفة والمنجمون الذين هم من أقل الناس حظا في الإسلام. وكثير منهم يظهرون الإسلام نفاقا وتقية.
ومنهم من هو أضر الإسلام والمسلمين من اليهود والنصارى كنصير الشرك الطوسي وابن سينا وأمثالهما من رؤساء الفلاسفة الذين ينتسبون إلى الإسلام وهم في غاية البعد عنه.
ولم يذكر عن أحد من علماء المسلمين ولا الفلاسفة المنتسبين إلى الإسلام أنهم قالوا بشيء من أقوال أهل الهيئة الجديدة سوى القول بكروية الأرض. وليس أهل الهيئة الجديدة أول من قال بذلك حتى ينسب القول به إليهم. وإنما هو مأثور عن علماء المسلمين. وقد تقدم كلام شيخ الإسلام أبي العباس ابن تيمية رحمه الله تعالى في ذلك. وما ذكره من الاتفاق على ذلك في أول الكتاب مع الأدلة على سكون الأرض واستقرارها وكذلك ما نقله عن أبي الحسين بن المنادي أنه حكى الإجماع على ذلك فليراجع.
وقد كان القول بسكون الأرض واستقرارها وجريان الشمس والقمر والنجوم هو المعروف عند المسلمين.
وقد حكى القرطبي إجماع المسلمين وأهل الكتاب على ذلك.
وأول من قال بخلاف هذا هو كوبرنيك البولوني وأتباعه من الإفرنج. ذكره عنهم محمد فريد وجدي في كتابه دائرة المعارف. ثم قال به هرشل الإنكليزي وأتباعه من الإفرنج كما صرح بذلك الألوسي في صفحة 23 من كتابه الذي كان الصواف ينقل منه ويعتمد عليه.
وكان كوبرنيك في آخر القرن العاشر من الهجرة وكان مولد هرشل في سنة 1738 ميلادية ومات في سنة 1822.